للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسُنن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بصيراً بطرقها، مُمَيِّزاً لأسانيدها، يحفظ منها ما أجمع أهل المعرفة على صِحَّتِهِ، وما اختلفوا فيه للاجتهاد في حال نقلته، يعرف فرق ما بين قولهم: فلان حُجَّةٌ، وفلان ثقة، ومقبول، ووسط، ولا بأس به، وصَدُوقٌ، وصالحٌ، وشيخ، وليِّنٌ، وضعيف، ومتروك، وذاهب الحديث، وَيُمَيِّزُ الروايات بتغاير العبارات: نحو عن فلان، وأن فلاناً؛ ويعرف اختلاف الحكم في ذلك بين أنْ يكون المُسَمَّى صحابياً أو تابعياً، والحكم في قول الراوى: قال فلان، وعن فلان، وأنَّ ذلك مقبول من المُدَلِّسِن َدون إثبات

السماع على اليقين، ويعرف اللفظة في الحديث تكون وَهْماً وما عداها صحيحاً، وَيُمَيِّزُ الألفاظ التي أدرجت في المتون فصارت بعضها لاتصالها بها، ويكون قد أنعم النظر في حال الرُواة بمعاناة علم الحديث دون ما سواه، لانه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يَضُمَّ غيره من العلوم إليه» (١). ولعل أهم صفات الحافظ - كما يستنبط من أقوال العلماء وتعاريفهم - أنَّه يتوسَّع في أسماء الرجال حتى يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه عن كل طبقة أكثر مِمَّا يجهله (٢). ويعتقد كثير من نُقَّاِد الحديث أنَّ الذين يجوز تسميتهم «بالحُفَّاظ»، قليلون في كل زمان ومكان وبما «يتعذَّر وجودهم» (٣)، لما يشترط لهم من نادر الصفات وسعة العلم. وحسبك أنَّ الوصف بالحفظ على الاطلاق ينصرف


(١) " الجامع لأخلاق الراوي ": ٨/ ١٥٠ وجه ٢.
(٢) " التدريب ": ص ٧ وقارن بـ " قواعد التحديث ": ص ٥٣.
(٣) " الجامع لأخلاق الراوي ": ٨/ ١٥٩ وجه ١.