للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحد منا عنك مائة ألف حديث!» (١).

وحين ينسب إلى أحد هؤلاء الحفاظ عدد عظيم من الأحاديث كتبه بيده أو أملاه على تلاميذه، فهو يحفظه غالباً من ظهر قلبه. قال أَبُو زُرْعَةَ (٢): «مَا فِي بَيْتِي سَوَادٌ عَلَى بَيَاضٍ إِلاَّ وَأَحْفَظُهُ» (٣) وقال الشعبي: " ما كتبتُ سواداً في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته» (٤)

ومن الحفاظ من كان يستعين على حفظ الحديث بكتابته، فإذا أتقن حفظه محاه أو دعا بمقراض فقرضه خوفاً من أنْ يَتَّكِلَ القلب عليه، منهم سفيان الثوري (٥)، وعاصم بن ضمرة (٦)، وخالد الحذاء (٧) وقد شاع على ألسنة الناس: بئس المستودع العلم القراطيس! (٨).

وكان في العلماء من يميل إلى تحديد العدد المحفوظ من الحديث الذى يستحق


(١) " الجامع ": ٨/ ١٥٢ وجه ١ و ٢.
(٢) هو أبو زرعة الرازي، عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي بالولاء، الحافظ الثقة المشهور. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٦٤ هـ (" الرسالة المستطرفة ": ص ٤٨). وكان الإمام أحمد يقول: «صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ» (" التدريب ": ص ٨ ").
(٣) " الجامع ": ٨/ ١٥٢ وجه ١.
(٤) " تدريب الراوي ": ص ٨.
(٥) انظر " سُنن الدارمي ": ١/ ١٢٥.
(٦) " المحدث الفاصل " للرامهرمزي: ٤/ ٥ وجه ١، وتوفي عاصم سَنَةَ ١٧٤ هـ.
(٧) " تقييد العلم ": ص ٥٩. والحذاء هو خالد بن مهران، المتوفَّى سَنَةَ ١٤١ هـ. ومن الذين كانوا يكتبون ويمحون ابن شهاب (انظر " جامع بيان العلم ":١/ ٦٦) وابن سيرين (" المحدث الفاصل ": ٤/ ٥ وجه ٢).
(٨) " جامع بيان العلم ": ١/ ٦٩.