للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو تابعيًا على حاله، لأن القوم حَدَّثُوهُ هكذا، فلا ضير من استعمال «حَوْثَ» بَدَلاً مِنْ «حَيْثُ» (١) أو «لَغَيْتُ» بَدَلاً مِنْ «لَغَوْتُ» (٢) و «عَوْثَاءُ السَّفَرِ» بَدَلاً مِنْ «وَعْثَائِهِ» (٣). ولذلك رَوَوْا عن ابن سيرين أنه «كَانَ يَلْحَنُ كَمَا يَلْحَنُ الرَّاوِي» (٤). وَفَسَّرَ الإِمَامً ُأَبُو عُبَيْدٍ ظاهرة إبقاء اللحن على حاله بقوله: «لأَهْلِ الحَدِيثِ لُغَةٌ، وَلأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةٌ، وَلُغَةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْيَسُ، وَلاَ تَجِدُ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِ لُغَةِ [أَهْلِ] الحَدِيثِ لأَجْلِ السَّمَاعِ» (٥).

ثم رأى العلماء أن يُمَيِّزُوا في هذا الموضوع بين لحن يحيل المعنى وآخر لا يحيله فرأوا أنه لاَ بُدَّ من تغيير اللحن الذي يفسد المعنى (٦)، وقالوا بضرورة رَدِّ الحديث إلى الصواب، إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب (٧).

أما الطائفة التي لم تر بأسًا في رواية الحديث بالمعنى، فإنها اشترطت لذلك شروطًا، منها أن يكون الراوي عالمًا بالنحو والصرف وعلوم اللغة عارفًا بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، بصيرًا بمدى التفاوت بينها، قادرًا على أن يؤدِّي الحديث أداءً خاليًا من اللحن، لأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفصح من نطق بالضاد. فمن الكذب


(١) " الكفاية ": ص ١٨٢.
(٢) " الكفاية ": ص ١٨٣.
(٣) " الكفاية ": ص ١٨٠.
(٤) " الكفاية ": ص ١٨٦.
(٥) " الكفاية ": ص ١٨٢. وأبو عبيد هو القاسم بن سلام، أحد كبار الأئمة في الحديث واللغة، تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٢٣ هـ.
(٦) " الكفاية ": ص ١٨٨.
(٧) " الجامع لأخلاق الراوي ": ٦/ ١٠٣ وجه ١.