وعاقبه، فيحصل له خوف العقاب وزوال النعمة عنه، وهو قادر على دفعه، ومن لم يدفعه ذمه العقلاء، وهما متوقفان على المعرفة، وهي متوقفة على النظر لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب المطلق المقدور عقلا إلا به فهو واجب عقلا.
وهو باطل؛ لأن الوجوب المتنازع فيه هو ما ترك عليه الثواب والعقاب عند الله تعالى، لا المدح والذم عند العقلاء، ولأن وجوب شكر المنعم عقلا ممنوع، ولأنه لو وجب لوجب لفائدة وإلا كان عبثا، وهو قبيح، ولا فائدة فيه لله تعالى لاستغنائه عنها، ولا للعبد في الدنيا، لأنه متعب ولا حظ للنفس فيه، ولا في الآخرة إذ لا مجال للعقل في الأمور الآخرة.
وما يقال: إن الفائدة هي الأمن من احتمال العقاب في الترك الذي هو لازم الحضور على قلب كل ذي لب أو استحقاق الزيادة فباطل؛ لأن اللزوم ممنوع، بل عدمه معلوم في الأكثر، ولو سلم فمعارض باحتمال العقاب على الشكر، واستحقاق المدح معارض لاستحقاق الذم بارتكاب ما يحتمل خوف العقاب، وجلبه للزيادة لا يعلم بالعقل، ولأن الشكر قد يتضمن خوف العقاب؛ لاحتمال أن لا يقع لائقا. ودعوى القطع بعدم العقاب على شكر النعمة مكابرة، أو أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وادعاء كون هذا التصرف حسنا ممنوع، فإن من بنى مسجدا من مال الغير أو أعطاه مسكينا ذمته العقول، أو لأنه كالاستهزاء كصعلوك شكر ملكا عظيما على كسرة خبز ولقمة طعام قد أخذها بيده بمحضر من أولي الألباب، فإن هذا الشكر يعد استهزاء منه على الملك، فإن ما أعطاه إياه حقير لدى الفقير وغيره، وما أعطاء الله تعالى العبد أحقر عنده من الكسرة واللقمة عند الملك، وكذلك الشكر على نعمة كانت عظيمة لدى المنعم عليه حقيرة لدى المنعم. والعرفان لا يدفع الخوف لقيام احتمال الخطأ، ولا يدفعه اعتقاد أنه مصيب، لأن كل من يأتي بالنظر لا يقطع بعدم احتمال فساده، وربما لعبت به الشكوك.
واحتجت الشيعة أيضا بأنه لو وجب النظر شرعا لزم إفحام الرسل، لأن المكلف يقول: لا يجب علي حتى يثبت الشرع، ولا يثبت حتى أنظر، وأنا لا أنظر. وهو أيضا باطل،