وأيضا الدليل الإلزامي مسلم عند الخصم، ومعاوية لا يسلم ما ذكر. ويرشدك إلى ذلك كتبه إلى الأمير كما هو مذكور عند الإمامية وغيرهم، فمذهبه كما يظهر منها أن كل مسلم قرشي مطلقا إذا كان قادرا على تنفيذ الأحكام وإمضاء الجهاد وحماية حوزة الإسلام وحفظ الثغور ودفع الشرور وبايعه جماعة من المسلمين من أهل العراق أو من أهل الشام أو من المدينة المنورة فهو الإمام. وإنما لم يتبع الأمير لاتهامه له بقتلة عثمان وحفظ أهل الجور والعصيان، وما كان يعتقده قادرا على تنفيذ الأحكام وأخذ القصاص الذي هو من عمدة أمور شريعة سيد الأنام، وذاك بزعمه ومقتضى فهمه. ومن أجلى البديهات أن بيعة المهاجرين والأنصار التي لم تكن خافية على معاوية قط لو حسبها معتدا بها لم يذكر في مجالسه ومكاتيبه قوادح الأمير، بل خطأ تلك البيعة أيضا بالصراحة كما هو معروف من مذهبه على ما لا يخفى على الخبير. فما ذكر في مقابلته من بيعة المهاجرين والأنصار دليل تحقيقي مركب من المقدمات الحقة فيثبت المطلوب.
ومنها ما في النهج أيضا عن الأمير أنه قال:«لله بلاء أبي بكر، لقد قوم الأود، وداوَى العلل، وأقام السنة، وخلّف البدعة، وذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعته واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدي فيها الضال ولا يستيقن المهتدي».
وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه "أبا بكر" وأثبت بدله "فلان"، وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر. ولهذا الإبهام اختلف الشراح، فقال البعض هو أبو بكر وبعض هو عمر. ورجح الأكثرون الأول وهو الأظهر. فقد وصفه المعصوم من الصفات بأعلى مراتبها، فناهيك به وناهيك بها.