أجابوا أن مثل هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالشيخين أشد الاعتقاد. ولا يخفى على منصف أن فيه نسبة الكذب إلى معصوم لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه حاصلا قطعا، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثل هؤلاء. وفي الحديث الصحيح «إذا مدح الفاسق غضب الرب». وأيضا أية ضرورة تلجئه إلى هذه التأكيدات والمبالغات؟ وكان يكفيه أن يقول: لله بلاء فلان قد جاهد الكفرة المرتدين، وشاع بسعيه الإسلام، وقام عماد المسلمين، ووضع الجزية، وبنى المساجد، ولم تقع في خلافته فتنة ولا بقي فيها معاند، ونحو ذلك. وفرق بين هذا والسلوك في هاتيك المسالك. وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج للباطل، وذاك محال من المعصوم، بل كان الواجب عليه بيان الحال لمن بين يديه بموجب الحديث الصحيح:«اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس» فانظر وأنصف.
وأجاب بعض الإمامية أن المراد من فلان رجل من الصحابة مات في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. واختار هذا القول الراوندي. وانظر هل يمكن لغيره - صلى الله عليه وسلم - في زمنه الشريف تقويم الأود ومداواة العلل وإقامة السنة وغيرها؟ وهل يعقل أن رجلا مات وترك الناس فيما ترك والنبي - صلى الله عليه وسلم - موجود بنفسه النفيسة وذاته الأنيسة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وزور جسيم.
وقال البعض: غرض الإمام من هذه العبارة توبيخ عثمان والتعريض به، فإنه لم يذهب على سيرة الشيخين. وفيه نظر من وجوه: أما أولا فالتوبيخ يحصل بدون هذه الكذبات فما الحاجة إليها؟ وأما ثانيا فسيرة الشيخين إن كانت محمودة فقد ثبتت