وأمارات الوضع عليه لائحة، لأن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى بل برسله كما دل عليه النص، وكل حديث يناقض مدلول الكتاب في الأخبار والقصص فهو موضوع كما هو مقرر في محله. وأيضا انحصار السباق في ثلاثة رجال غير معقول، فلكل نبي سابق لا محالة. وأيضا أية ضرورة أن يكون كل سابق إماما؟ وأيضا لو صحت الرواية لناقضت قوله تعالى في حق السابقين:{ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين} والثلة الجمع الكثير، ولا يمكن إطلاق الجمع الكثير على اثنين ولا القليل على الواحد أيضا، فعلم أن المراد بالسبق من الآية عرفي أو إضافي شامل للجماعة الكثيرة لا حقيقي بدليل [آية]: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} والقرآن يفسر بعضه بعضا.
وأيضا الثابت بإجماع الفريقين أن أول من آمن حقيقة خديجة رضي الله تعالى عنه. فلو كان مجرد السبق كافيا لصحة الإمامة لزم إمامتها وهو باطل. فإن قلت قد تحقق المانع فيها وهو الأنوثة، قلت المانع متحقق وهو وجود الثلاثة الذين كانوا أصلح للرئاسة من جنابه عند الجمهور من أهل السنة.
فانظر أيها المنصف الرشيد والفطن اللوذعي المجيد إلى حال هؤلاء جند الأهواء قد نسجت غشاوة التصعب على أبصارهم فهم عمون وحلت غواية الشيطان قلوبهم فهم في بيداء الضلالة يهرعون، استدلوا بما استدلوا ولم يعقلوا، وحلوا عقال التثبت بلاقع الزيغ ولم يعقلوا. فدونك أدلة سموم البطلان يهب من أرجائها ورسومها وخلب البروق يلوح في خلال غمومها وغيومها، مع أنها أقوى دلائلهم في هذا المقام وأعلى وأغلى تحريراتهم في صنوف الكلام. وقد كفيت شرها وأمنت حرها. والحمد لله على ما أولاه.