للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

والجواب أن الأمر منه عليه الصلاة والسلام لم يكن إلا من باب الاستحباب وهو أمر إرشاد وإصلاح ولم يكن لأمر ضروري وإلا لفعله - صلى الله عليه وسلم - بعد مع خاصة أهل بيته كالأمير كرم الله تعالى وجهه، فإنه بقي عليه الصلاة والسلام حيا بعد ذلك خمسة أيام. ويؤيد ذلك كما قال غير واحد قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهو ظاهر. والتخلف عن الامتثال ناشئ عن محض المحبة والوداد دون الشقاق والعناد لما رأوا من شدة مرضه عليه الصلاة والسلام، ومثل هذه المخالفة لا تعد فسقا وإلا لزم فسق جميع الحاضرين ومنهم علي كرم الله تعالى وجهه، ولا قال به بالإجماع. وقد وقع للأمير رضي الله تعالى عنه مثل هذه المخالفة عام الحديبية، فإنه كتب الصلح: "هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله"، فلم يرض المشركون بهذا العنوان وقالوا: لو كنا نعلم أنه رسول الله ما حاربناه، فأمر عليه الصلاة والسلام عليا أن يمحو ذلك وبالغ فيه فلم يفعل حتى محاه عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة. بل وقع منه كرم الله تعالى وجهه ما يرى أنه أشد من ذلك، فقد صح من طرق متعددة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بيت الأمير والبتول رضي الله تعالى عنهما ليلة وأيقظهما لصلاة التهجد وأمرهما بها، فقال الأمير: "والله لا نصلي إلا ما كتب الله لنا، وإنما أنفسنا بيد الله لو وفقنا لصلينا"، فرجع عليه الصلاة والسلام وهو يضرب فخذيه ويقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}. وقد رواه البخاري أيضا في صحيحه. وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالخروج لمن في الحجرة لم يكن إلا لما فيه من المرض.

<<  <   >  >>