الكفار في النار"، وذلك ظلم وإيلام ومن غير جرم. ولأنهم اعترفوا بأن الله تعالى خلق السباع وجعل أقواتها لحوم الحيوانات الضعيفة وأنه سلطها عليها من غير جرم، وتسليط القوي على الضعيف ظلم بين. وإنه خلق الإنسان ضعيفا، وخلق له نفسا وخلق لها ما تلتذ به وما تنفر عنه وخلق لها ميلا إلى الشهوات الموجبة لهلاكها ونفورا عن التكليفات الموجبة لسعادتها، ومكن أكثرهم من تحصيل ما يريده ثم أمر بفعل ما ينافرها ونهاها عن ارتكاب ما يلائمها، وهو يعلم أن أكثرهم لا يأتمر بما أمره ولا ينتهي عما نهاه عنه، وقيض له عدوا يراه من حيث لا يراه ويوسوس له في صدره ويزين له سوء عمله، وخلق له القدرة على الوسوسة والتزيين، وهو لا يتمكن من دفعه، وهو سبحانه يعلم أنه يتبعه، ثم يعذبه. وكل ذلك صريح، فإن من حبس مسكينا ومنعه من الطعام والماء إلى أن بلغ جهده، ثم أحضر عنده ألوانا من لذائذ الأطعمة ووضعها بين يديه وخلى بينه وبينها ثم قال له: إن أكلت شيئا منها لأعذبنك عذابا شديدا، ثم قيض له قرينا عدوا له يدعوه إلى أكلها ويغريه عليه ويقول له: إن صاحب الطعام جواد كريم عفو، إن أكلت منها لا يؤاخذك به ويعفو عنك والجوع يرديك، فأكل منه شيئا يسيرا، وعذبه عذابا أليما، عده أولو العقول ظالما كما لا يخفى. وأما تجويز الإيلام من غير جرم وإيصال عوض فهو مذهب أهل البيت، وهم قدوة هؤلاء، وقد نص عليه أمير المؤمنين والسجاد زين العابدين كما سيجيء إن شاء الله تعالى في الإلهيات. والجواز لا يستلزم الوقوع، ومع ذلك يتقونه لأن الله تعالى وعد وعد الحق أن يكفر عن المتألم بالإيلام سيئاته أو يرفع له الدرجات على طريق الوجوب، إذ لا يجب عليه سبحانه شيء. هذا ويلزم ذلك هؤلاء الضلال بمقتضى أصولهم، وذلك لأن الله تعالى يبتلي الحيوانات العجم بالأمراض والموت بلا جرم وإيصال عوض، ولا فرق بين المكلف وغيره.