ويذاكر بأضعافها، خلاف ما يتبع ذلك من فنون اللغة وأوضاع النحاة وضروب المقالات، وسمعت عنه رحمه الله إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ومسح بيده المباركة على صدره، قال: فما حفظت شيئا فنسيته، وهذه من كراماته ومن دلائل فضله وعلاماته.
وكان يكتب جيدا وينظم نظما حسنا. ودفع لي ولده الفقيه الجل أبو الحسن يوما قطعة كاغد وفيها قصيدة على قافية الغين في قصد الحج، وذكر لي إنه سئل عنها في نظمها في ذلك الروي وعلى تلك القافية، وهي:
أيا سائرا نحو الحجاز وقصده ... إلى الكعبة البيت الحرام بلاغ
ومنه إلى قبر النبي محمد ... يكون له بالروضتين مراغ
فبلغت ما أملت كم ذا اراغه ... أناس نسوا قصد السبيل فراغ
وقوم أولوا وجد وجد ونجدة ... اراغهم الجد العثور فراغوا
فيا أسفى كم ذا تمنيت قصده ... فأدفع عن قصدي له وأراغ
وقصر بي جدي إذا الأمر في يدي ... جميع وعندي ثروة وفراغ
فالآن وقد خط المشيب بمفرقي ... وكلل رأسي من حلى وصياغ
أعلل نفسي بالمنى وتصدني ... ذنوب لها عند الفراق مصاغ
إذا ما أجلت الدهر فيه فكيف لي ... يسوغ شراب أو يلذ مصاغ
عسى توبة قبل الممات وزورة ... فينضح من شين الذنوب رداغ
وألقى شيوخا يؤنس المرء منهم ... أحاديث صدق تجتلي وتصاغ
توفي رحمه الله بحاضرة تونس يوم الثلاثاء الثالث والعشرين لجمادي الأخيرة سنة تسع وخمسين وستمائة، ومولده في حدود سنة ستمائة.