للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت وهذه قصيدة حسنة المعنى، قدسية المبنى، ولقد وقع الحديث معه في حديث مقتضياتها، ونظم مفرداتها بمزدوجاتها.

وكان أكثر الناس إنصافا في المذاكرة عرض عليه قضاء بجاية فامتنع منه، ووصل إليه كتاب المستنصر من حاضرة افريقية بقضاء قسنطينة حرسها الله فاعتذر وتلطف في الاستعفاء عنه، وسمعت كثيرا من أهل العلم يثنون عليه ويقولون إنه لم يكن في وقته بمغربنا الأوسط مثله. توفى رحمه الله في الثامن والعشرين لربيع الأول من عام خمسة وسبعين وستمائة ودفن بخارج باب المرسى، وكان له مشهد لا يكون إلا لمثله، وتاريخ وفاته في رخامة وضعت لحدا على قبره وكتب فيها بيتان هما من نظم الأديب الفاضل أبي نصر الجيني

بكيتك عبد الحق حقا لأنني ... بكيت بك الدنيا وما في جميعها

من الدين والأفضال والعلم والحجا ... وان كنت زين الدين يا ابن ربيعها

وكان رحمه أعلى الناس همة وارفعهم منزلة. وكان إذا أولى المعروف لا يذكره، وربما من فعل معه لا يعلم إنه هو الفاعل له، وإنما قصده وصول النفع علم الموصول إليه ذلك أو لم يعلمه، ومن ذلك ما هو مشهور عند أصحابنا، وهو أن القاضي أبا إسحاق ابن عباس رحمه الله أيام كان ببجاية ساعيا في نيل الخطة وعاملا على تحصيل الحضوة، سعى في شأنه عند القاضي الجليل أبي محمد ابن الطيران يرسمه برسم العدالة ويقدمه للشهادة، فطلبه أن يكتب فيه رسما بتأهله لذلك تحوطا منه، فكتب رسما وشهد فيه وشهد معه شاهد آخر

<<  <   >  >>