للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من بني عبيل بن لوط وهو بناها، وبها كان اجتماع الحكمين: أبي موسى وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما فكان من أمرهما ما كان، وقيل كان ذلك بدومة الجندل على عشرة أيام من دمشق.

وفي بعض أخبار يوم اليرموك عن حنظلة بن جؤية قال (١) : والله إني لفي الميسرة إذ مر بنا رجال من الروم وهم أشبه شيء بنا فلا أنسى قول قائل منهم: يا معشر العرب الحفوا بوادي القرى ويثرب ويقول:

في كل يوم خيلنا تغير ... نحن لنا البلقاء والسدير ... هيهات، يأبى ذلك الأمير ... والملك المتوج المحبور ... قال: فحملت عليه وحمل علي فاضطربنا بسيفينا فلم يغنيا شيئا ثم اعتنقنا فخررنا جميعا فاعتركنا ساعة ثم إنا تحاجزنا فنظرت إلى ما بدا من عنقه فوالله ما أخطأته، فقطعته فصرع فضربته حتى قتلته، وأقبلت إلى فرسي وقد كان عار، وإذا بقومي قد حبسوه علي فأقبلت حتى ركبته.

وبالبلقاء مات يزيد بن عبد الملك بن مروان سنة خمس ومائة وبويع لأخيه هشام بن عبد الملك.

بلنسية (٢)

في شرق الأندلس بينها وبين قرطبة على طريق بجانة ستة عشر يوما وعلى الجادة ثلاثة عشر يوما، وهي مدينة سهلية وقاعدة من قواعد الأندلس في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة التجارات وبها أسواق وحط وإقلاع، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال، وهي على نهر جار ينتفع به ويسقي المزارع وعليه بساتين وجنات وعمارات متصلة والسفن تدخل نهرها، وسورها مبني بالحجر والطوابي، ولها أربعة أبواب، وهي من أمصار الأندلس الموصوفة وحواضرها المقدمة، ولأهلها حسن زي وكرم طباع والغالب عليهم طيب النفوس والميل إلى الراحات، وهي في أكثر الأمور راخية الأسعار كثيرة الفواكه والثمار جامعة لخيرات البر والبحر، ولها أقاليم كثيرة، وهي في الجزء الرابع من قسمة قسطنطين.

وكان الروم تغلبوا على بلنسية قديماً ثم أحرقوها عند خروجهم منها سنة خمس وتسعين وأربعمائة فقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة (٣) :

عاثت بساحتك العدا يا دار ... ومحا محاسنك البلى والنار

فإذا تردد في جنابك ناظر ... طال اعتبار فيك واستعبار

أرض تقاذفت النوى بقطينها ... وتمحضت بخرابها الأقدار

فجعلت أنشد خير سادة أهلها ... " لا أنت أنت ولا الديار ديار " (٤) وقال الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن خلصة البلنسي (٥) :

وروضة زرتها للأنس مبتغياً ... فأوحشتني لذكرى سادة هلكوا

تغيرت بعدهم حزناً وحق لها ... مكان نوارها أن ينبت الحسك

لو أنها نطقت قالت لفقدهم ... " بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا " (٦) ثم في سنة ست وثلاثين وستمائة ملك الروم بلنسية صلحاً واستولى عليها ملك أرغون جاقه (٧) ، وأكثر أدباؤها بكاءها والتأسف عليها نظماً ونثراً، فمن ذلك قول الكاتب أبي المطرف


(١) فتوح الأزدي: ٢٠٣ - ٢٠٤.
(٢) الإدريسي (د) : ١٩١، وبروفنسال: ٤٧، والترجمة: ٥٩.
(٣) ديوانه: ٣٥٤.
(٤) تضمين من أبي تمام، وعجز البيت ((خف الهوى وتولت الأوطار)) (ديوانه ٢: ١٦٦) .
(٥) ترجمته في الجذوة: ٤٩، والتكملة: ٣٩٥.
(٦) تضمين من زهير، وعجز البيت: ((وزودوك اشتياقاً أية سلكوا)) (ديوانه: ١٦٤) .
(٧) كذا في الأصلين: وهو Jacque الأول أو (خايمي Jaime) ملك أواغون (١٢١٣ - ١٢٧٦) ، وجعله بروفنسال: جاقمه، انظر الترجمة ٦١ والحاشية: ١.

<<  <   >  >>