للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليها سوراً فصارت ذات عمارة وأسواق وجبايات، ولها إقليم واسع وسفر أهل بلاد إفريقية إليها كثير، وشرب أهلها من آبار عذبة في ديارها مع مياه العيون التي حولها، وبها فنادق وحمامات وبساتين ومزارع، وبينها وبين طرابنش ثلاثة وعشرون ميلاً.

مرسى الدجاج (١) :

بالقرب من آشير، وهي مدينة قد أحاط بها البحر من ثلاث نواح، وعليها السور من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، ومن هناك يدخل إليها، وأسواقها ومسجد جامعها داخل ذلك السور، له باب واحد، ولها مرفأ غير مأمون لضيقه وقرب قعره، وبها عيون طيبة، يسكنها الأندلسيون وقبائل من كتامة.

وهي مدينة (٢) كبيرة القطر، ولها حصن دائر بها، وبشرها كثير (٣) وربما فر عنها أكثر أهلها زمن الصيف خوفاً من قصد الأساطيل إليها، وأرضها ممتدة وزراعاتها متصلة وإصاباتهم واسعة وحنطتهم مباركه، وسائر الفواكه واللحوم بها كثير رخيص، وتينها يحمل منها شرائح طرياً ومنثوراً (٤) إلى سائر الأقطار وأقاصي البلاد، وهي بذلك مشهورة، وبينها وبين تدلس أربعة وعشرون ميلاً.

مرسية (٥) :

بالأندلس، وهي قاعدة تدمير، بناها الأمير عبد الرحمن بن الحكم، واتخذت دار العمال وقرار القواد، وكان الذي تولى بنيانها وخرج العهد إليه في اتخاذها جابر بن مالك بن لبيد، وكان تاريخ الكتاب يوم الأحد لأربع خلون من ربيع الأول سنة ست عشرة (٦) ومائتين، فلما بناها ورد كتاب الأمير عبد الرحمن على عامر بن مالك بخراب مدينة أله (٧) من المضرية واليمانية وكان السبب في ذلك أن رجلاً من اليمانية استقى من وادي لورقة قلة وأخذ ورقة من كرم لرجل من المضرية فغطى بها القلة، فأنكر ذلك المضري وقال: إنما فعلت ذلك استخفافاً بي إذ قطعت ورق كرمي، وتفاقم الأمر بينهما حنى تحارب الحيان، وعسكر بعضهم إلى بعض واقتتلا أشد قتال.

ومرسية (٨) على نهر كبير يسقي جميعها كنيل مصر، ولها جامع جليل وحمامات وأسواق عامرة، وهي راخية أكثر الدهر رخيصة الفواكه كثيرة الشجر والأعناب وأصناف الثمر، وبها معادن فضة غزيرة متصلة المادة، وكانت تصنع بها البسط الرفيعة الشريفة ولأهلها حذق بصنعتها وتجويدها لا يبلغه عيرهم.

ومن مرسية أبو غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني اللغوي المرسي (٩) صاحب " الموعب " وكان أبو الجيش مجاهد بن عبد الله صاحب دانية قد غلب على مرسية، وأبو غالب إذ ذاك بها، فأرسل إليه ألف دينار على أن يزيد في ترجمة الكتاب على أنه ألفه لأبي الجيش مجاهد، فرد الدنانير وأبى من ذلك وقال: والله لو بذلت لي الدنيا على ذلك ما فعلت ولا استجزت الكذب، فإني لم أجمعه لك خاصة، وإنما جمعته لكل طالب علم.

وعلى أربعين ميلاً من مرسية عين ماء عذب يقصدها من علق العلق بحلقه فيفتح فاه فيسقط العلق لحينه، وذلك بإقليم إيلش. وقال بعضهم: هذا طب تمام يوجد في كل ماء عذب بارد، إذا فتح فمه عليه من علق العلق به أسقطه في الأغلب، وذلك لأن العلق إنما ينشأ في الماء العذب، فيطرأ عليه من خلاف ذلك المزاج ما يستروح منه إلى الماء، وكثيراً ما يطب به الأطباء فيستغنون عن شجر أناغاليس الذي من شأنه قتل العلق (١٠) ، وعن العكوب (١١) وعن الخل وأمثال هذه الأشياء.

ومرسية (١٢) في مستو من الأرض على النهر الأبيض، ولها ربض عامر آهل، وعليها وعلى ربضها أسوار وحظائر متقنة، والماء يشق ربضها، وهي على ضفة النهر، ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب تنتقل من موضع إلى موضع (١٣) ، وبها شجر التين كثير،


(١) البكري: ٦٥.
(٢) الإدريسي (د/ ب) : ٨٩.
(٣) الإدريسي: قليل.
(٤) لعل المقصود: مطوياً ومنشوراً.
(٥) بروفنسال: ١٨١، والترجمة: ٢١٨ (Murcia) ، والنص ناظر إلى العذري: ٦.
(٦) العذري: سنة عشر.
(٧) العذري: أيه.
(٨) قارن بالزهري: ١٠٠.
(٩) ترجمته والقصة في الجذوة: ١٧٢.
(١٠) سقط من ع.
(١١) ص ع: العكوف.
(١٢) الإدريسي (د) : ١٩٤.
(١٣) بروفنسال: ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب ولها أرحاء طاحنة في مراكب تنتقل ... الخ؛ والنص عند الإدريسي: ولها أرحاء طاحنة في الماكب مثل طواحن سرقسطة التي هي تركب في مراكب تنتقل من موضع ... الخ، وأغلب الظن أن النص مضطرب في الأصل.

<<  <   >  >>