للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذو القرنين في مطافه، وهو كثير الأفاعي والحيات، ولولا كثرة القنافذ لتلف من هنالك.

قال أصحاب المغازي (١) : قصد عاصم بن عمرو سجستان ولحقه عبد الله بن عمير فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم ثم اتبعوهم حتى حصروهم بزرنج، ومخر المسلمون سجستان ما شاء الله، ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوه من الأرضين، فأعطاهم ذلك المسلمون، وكان فيما شرطوه من صلحهم أن قنافذها (٢) حمى، فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروها خشية أن يصيبوا منها فيخفروا، وأقيم أهل سجستان على الخراج، وكانت سجستان أعظم من خراسان، وأبعد فروجاً، يقاتلون القندهار والترك وأمماً كثيرة، وكانت فيما بين السند إلى نهر بلخ بحياله، فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرهما عدداً وجنداً حتى كان زمن معاوية، فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل، ودانوا لسلم بن زياد وهو يومئذ عامل سجستان، ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم تلك البلاد، وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه، فقال معاوية: إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه، قالوا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة ومضايق، وهؤلاء قوم غدر نكر، فيضطرب عليهما الحبل غداً، فأهون ما يجيء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها، وتم لهم على عهد ابن زياد، فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل وخافه أخوه، فاعتصم منه بمكانه الذي هو به اليوم، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها، فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة. قالوا: وصار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد فلم تنتزع إلى اليوم، وقد كانت البلاد مذللة إلى أن مات معاوية.

ومن سجستان أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسماعيل بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني صاحب كتاب " السنن "، توفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين.

وبسجستان قتلت الخوارج معن بن زائدة فتكاً به سنة اثنتين وخمسين ومائة، وكان معن أحد الأجواد، وقف عليه أعرابي فقال له: جعلت قصدك سببي إليك، وكرمك وسيلتي عندك واستشفعت بك إليك، قال: سل ما أحببت، قال: ألفا درهم، قال معن: الله أكبر، ربحنا أربعة آلاف درهم، فقال الأعرابي: أنت أكرم من أن تربح على مثلي، قال: صدقت، وأمر له بستة آلاف درهم.

سجلماسة (٣) :

في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز، وليس بها عين ولا بئر، وزرعهم الدخن والذرة ولهم النخل الكثير.

وسجلماسة (٤) من أعظم مدن المغرب، وهي على طرف الصحراء لا يعرف في قبليها ولا في غربيها عمران، وبينها وبين غانة في الصحراء مسيرة شهرين في رمال وجبال غير عامرة، قليلة الماء، يسكنها قوم من مسوفة رحالون لا يستقر بهم مكان، ليس لهم مدن ولا عمارة يأوون إليها إلا وادي درعة، وبينه وبين سجلماسة مسيرة خمسة أيام.

وهي كثيرة (٥) العامر مقصد للوارد والصادر، كثيرة الخضر والجنات، رائعة البقاع والجهات، وهي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف، كزيادة النيل، ويزرع بمائه كحال ماء النيل، ولزراعته إصابة كثيرة، وفي السنة الكثيرة الأمطار ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر، وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره فينبت من غير حاجة إلى البذر (٦) وحكي أن البذر يكون عاماً والحصاد فيه سبع سنين، وبها أنواع من الثمر لا يشبه بعضها بعضاً، وفيها الرطب المسمى البرني، وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها في غاية الصغر، وعندهم غلات القطن والكمون والكراويا والحناء، ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها، وهم يأكلون الكلاب والحرذون، وقل ما يوجد في أهلها صحيح العينين.

وسجلماسة (٧) محدثة، بنيت سنة أربعين ومائة، أسسها مدرار بن عبد الله، وكان رجلاً من أهل الحديث يقال إنه لقي بإفريقية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وسمع منه،


(١) الطبري ١: ٢٧٠٥.
(٢) الطبري: فدافدها.
(٣) قارن باليعقوبي: ٣٥٩.
(٤) عن الاستبصار: ٢٠٠ وبعضه مطايق لما عند البكري: ١٤٩.
(٥) عن الإدريسي (د/ ب) : ٦٠/ ٣٧، وقارن بابن حوقل: ٩٠.
(٦) زيادة من الإدريسي.
(٧) عن الاستبصار: ٢٠١، وقارن بالبكري: ١٤٨.

<<  <   >  >>