للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صدقات وكسا للمساكين. وكانت مدينة قفصة أعظم بلاد إفريقية نظراً، كان حواليها نحو مائتي قصر آهلة عامرة فيها الأشجار والنخل والزيتون والفستق وجميع الأشجار، وفيها العيون والأنهار والآبار، تسمى قصور قفصة (١) .

وكان يوسف (٢) بن عبد المؤمن ملك المغرب لما طلع إلى إفريقية نزل على قفصة فاستصعبت عليه، وذلك في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحاصرها ونصب عليها آلة الحرب، وعمل للعجل الحاملة للآلات قلوعاً ضربتها الريح فمشتها، فرعب أهل قفصة واستأمنوه فأمنهم وقطع غابتها وزيتونها وأمر صاحبها علي بن الرند بالانتقال إلى مراكش، فانتقل إليها بجملته، فولاه على سلا إلى أن توفي.

ثم نزل عليها (٣) ولده المنصور يعقوب بعد وقيعة عمرة، وذلك سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فأخذت المحلات بمخنقها، وتمادى الحصار والقتال عليها، ورماها بأحجار المنجنيق حتى حكم عليها فهدم سورها وحرقها بالنار، وقتل الناس المحكوم عليهم فيها ذبحاً، وقطع شجرها وغير بهجتها ونزع الحسن عنها، وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر الشاعر من قصيدة له غراء:

من لم يؤدبه تأديب الكتاب فما ... له بغير ذباب السيف تأديب

إن الخلافة لا تشكو بمعضلة ... والحافظ الله والمنصور يعقوب

مشمر البرد للحرب الزبون وقد ... ضفت عليه من التقوى جلابيب

فالبيض منهن مسلول ومدخر ... والخيل منهن مركوب ومجنوب

وليس يظفر بالغايات طالبها ... إلا إذا قرعت فيها الظنابيب

للحرب جل مساعيه وما تركت ... منه الحروب تهادته المحاريب

إذا كان عربد في الأعداء صارمه ... فإنه لِرَحيق الهام شرّيب

قد حصحص الحق إن النصر يتبعه ... فكان من أنفس الكفّار تكذيب

لقد عدتهم عن التوفيق شقوتهم ... إن الشقي على التوفيق مغلوب

ما غرَّ قفصة إلا أنها اجترمت ... فلم يكن عند أهل الحلم تثريب

ما بالها زار أمر الله حوزتها ... فلم يكن عندها أهل وترحيب

توهمت أن أهل البغي تمنعها ... وقلما حَمتِ الشَّهْد اليعاسيب

تلك البغيُّ التي خانت فحاق بها ... وبالزناة بها رجم وتعذيب

ترمى المجانيق بالأحجار فضلة من ... رمتهمُ منهم الجرد السراحيب

من كل ملمومة صماء حائمة ... على النفوس فتصعيد وتصويب

يقول مبصرها في الجو صاعدة ... هذا بلاء على الكُفّار مصبوب

تمهد الأمر في أكناف دولته ... حتى تألف فيها السخل والذيب وهي طويلة.

قسطلة درّاج (٤) :

قرية في غرب الأندلس، منها أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج القسطلي (٥) ، ودرّاج هو الذي تُنْسَب إليه


(١) إلى هنا ينتهي انقل عن المصدر المذكور.
(٢) قد ألم صاحب الاستبصار: ١٥١ بهذه الحادثة، وانظر البيان المغرب ٣: ١١٤ (تطوان) .
(٣) انظر البيان المغرب ٣: ١٦٥ - ١٦٩.
(٤) بروفنسال: ١٦٠، والترجمة: ١٩٢ (Cacella) وانظر الإدريسي (د) : ١٧٩، وياقوت؛ والأرجح أن قسطة الواقعة في البرتغال ليست هي المنسوب إليها ابن دراج وإنما قسطلة أخرى من أعمال جيان.
(٥) انظر دراسة عنه في كتابي ((تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة)) : ٢٣٧ (طبعة ثانية) والمصادر مذكورة هنالك.

<<  <   >  >>