للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما افتتحت (١) مصر أمر عمر رضي الله عنه أن تغزى النوبة فوجدهم المسلمون يرمون الحدق فذهبوا إلى المصالحة فأبى عمرو بن العاصي رضي الله عنه من مصالحتهم حتى صرف عن مصر ووليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة إحدى وثلاثين فقاتلوه قتالاً شديداً فأصيبت عين معاوية بن حديج رضي الله عنه وعيون جماعته، فحينئذ سموا رماة الحدق. قال الشاعر:

لم تر عيني مثل يوم دمقله ... والخيل تعدو بالدروع مثقله ... ورميهم عن قسي غريبة، ولحومهم لحم (٢) الإبل طرياً وملحاً يطبخونه بالنار، والسمك عندهم كثير جداً، وفي بلادهم الزراريف والفيلة والغزلان.

دمهرة (٣) :

وهي جزيرة القمر من جزر الهند، وهذه الجزائر فيها رئيس يجمعهم ويذب عنهم ويهادن على قدر طاقته، وزوجته تحكم بين الناس وتكلمهم ولا تستتر عنهم سترة دائمة لا ينتقلون عنها، وهي تلبس حلة الذهب المنسوج وعلى رأسها تاج الذهب المكلل بأنواع اليواقيت والجوهر والأحجار النفيسة، وتجعل في رجلها نعل الذهب، وليس يمشي أحد في هذه الجزائر بنعل إلا الملكة وحدها، ومتى عثر على أحد أنه يلبس النعل قطعت رجلاه. وتركب هذه الملكة في مدينتها وأعمالها ويركب خلفها جواريها بالزي الكامل من الفيلة والرايات والأبواق، والملك زوجها وجميع الوزراء يتبعونها على بعد منها، ولهذه الملكة أموال تجمعها من جبايات معلومة فتتصدق بهذه الأموال على فقراء أهل بلادها في ذلك اليوم ولا تتصدق بشيء إلا وهي واقفة تنظر، وأهل بلادها يعلقون على طرقها ومواضع سيرها أنواع ثياب الحرير، ولها زي حسن. ونساء هذه الجزيرة يمشين مكشوفات الرؤوس مضفورات الشعور، والمرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط وأقل وأكثر، وهي حليهن.

دمنهور (٤) :

مدينة مسورة في بسيط من الأرض أفيح متصل من الإسكندرية إلى مصر والبسيط كله محترث، والقرى فيه يميناً وشمالاً لا تحصى كثيرة.

دماميل (٥) :

مدينة بينها وبين قوص من أرض مصر سبعة أميال، وهي محدثة حسنة البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات ممكنة الحنطة وسائر الحبوب، وأهلها أخلاط والغالب عليهم أهل المغرب والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعي الجانب، وفي أهلها مواساة بالجملة.

دمشق (٦) :

هي قاعدة الشام ودار ملك بني أمية، سميت باسم صاحبها الذي بناها وهو دمشق بن قاني بن مالك بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وقيل سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان، قال عياض: هي بكسر الدال وفتح الميم، ومنهم من يكسر الميم. وهي ذات العماد في قول عوف بن خالد وعكرمة وغيرهما، وقيل غير ذلك. قال مؤرخو أخبار العجم: في شهر أيار بنى دمشوش الملك مدينة جلق، وهي مدينة دمشق وحفر نهرها بردى ونقره في الجبل حتى جرى إلى المدينة.

وحكي أن دمشق كانت دار نوح، ومن جبل لبنان كان مبدأ السفينة، واستوت على الجودي قبل قردى ولما كثر ولده نزلوا بابل السواد في ملك نمرود بن كوش أول ملك كان في الأرض.

وسور دمشق تراب، ولها أربعة أبواب: الباب الغربي وهو باب الجابية، والباب الجنوبي (٧) ويسمى باب توما ويقال له اليوم باب المصادمة، والباب الشرقي وهو باب الغوطة، ومن الباب الشرقي دخل خالد بن الوليد ومنه فتح دمشق، والباب الشمالي


(١) قارن بفتوح مصر: ١٨٨، وياقوت: (دمقلة) .
(٢) ص ع: لحوم.
(٣) نزهة المشتاق: ٢٥، وعنده أن ((مهره)) اسم الملكة، وكلام الإدريسي يدور حول جزيرة ((أنبوبة)) إحدى جزائر الديبجات، وحول رئيس هذه الجزائر وملكتها؛ ويبدو أن المؤلف وقع في الوهم وأن ((الديبجات)) هي المادة التي يجب أن توضع في موضع ((دمهرة)) . وانظر الإدريسي (ق) : ٢ - ٤ OG: ٦٩، وتحقيق ما للهند: ١٦٩ (Maladives) .
(٤) قارن بياقوت (دمنهور) ، وابن دقماق ٥: ١٠١، وقاموس رمزي ٢/ ٢: ٢٨٤.
(٥) قارن بياقوت (دمامين) ، وابن دقماق ٥: ٣١، والمؤلف ينقل عن الإدريسي (د) : ٤٩.
(٦) اعتمد المؤلف في أكثر هذه المادة على رحلة ابن جبير: ٢٦٠ - ٢٨٩، وقارن بياقوت (دمشق) ، والمجلدين الأولين من تاريخ ابن عساكر، والأعلاق الخطيرة (الجزء الخاص بدمشق) ، والقمدسي: ١٥٦، واليعقوبي: ٣٢٥، والكرخي: ٤٥، وابن حوقل: ١٦٠، وابن الفقيه: ١٠٤، وابن بطوطة: ٨٤، ومسالك الأبصار ١: ١٧٨، وصبح الأعشى ٤: ٩٦.
(٧) عند ابن عساكر وغيره أن باب توما شمالي.

<<  <   >  >>