للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحار على عمر رضي الله عنه، فسأله عن مكران، وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه، فقال: يا أمير المؤمنين، أرض سهلها جبل، وماؤها وشل، وتمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها، فقال عمر رضي الله عنه: أسجاع أنت أم مخبر، فقال: لا، بل مخبر، قال: لا والله لا يغزوها لي جيش ما أطعت، وكتب إلى الحكم وإلى سهيل ألا يجوزن (١) المكران أحد من جنودكما واقتصرا على ما دون النهر، وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام وقسم أثمانها على من أفاءها الله تعالى عليه.

مكناسة الزيتون (٢) :

مدينة في المغرب من نظر فاس إلى جهة المغرب، وهي أربع مدن وقرى كثيرة متصلة بالمدن والحصون، الممدن منها يسمى تاجرارات (٣) ، وتفسيره المحلة، وهو محدث البناء يشرف على بطاح وبقاع مملوءة بغيضات (٤) الثمار وأكثرها الزيتون ولذلك نسبت إليه، وعلى هذه المدينة سور كبير وأبراج عظيمة، وهي مدينة جليلة فيها الأسواق الحفيلة، وأنشأ فيها بعض ملوك بني عبد المؤمن بحاير (٥) عظيمة في نهاية الاتساع، وجلب ماء نهرها وغرست زيتوناً وكروماً، وزيتها أكثر زيت في المغرب، وبعده زيت النظر المسمى ببني فسيل (٦) ، وهي كريمة الأرض طيبة المدرة، بل هي من غر بلاد المغرب، أنظارها واسعة وقراها عامرة وعمائرها متصلة، تشقها الأنهار والمياه السائحة والعيون الكثيرة العذبة، وتطحن عليها الأرحاء، وتدخل الحمامات.

وبين مكناسة (٧) وفاس أربعون ميلاً في جهة المغرب، ومكناسة مرتفعة على الأرض، يجري في شرقيها نهر صغير عليه الأرحاء، وتتصل بها عمارات وجنات وزروع، وأرضها طيبة للزراعات، ولها مكاسب وأحوال صالحة، وسميت باسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم بالمغرب وإقطاعه لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده، فكل هذه المواضع التي أنزلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض، وبلاد مكناسة لها أسواق وحمامات وديار حسنة، والمياه تخترق أزقتها، وبين مكناسة وقصر ابن عبد الكريم ثلاث مراحل.

مكول (٨) :

بلدة مشهورة بتامسنا منها عبد الرحمن بن إسحاق المكولي (٩) كان نبيهاً جليلاً أكثر من قراءة الفلسفة مع معرفته بالأصول والفروع فاطلع منه السيد أبو العلا بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب الأندلس إذ ذاك في البحث، وهو عنده في منصب القضاء، على ما أباح دمه، فضرب عنقه بإشبيلية سنة خمس وعشرين وستمائة، وقيل إنه لما قدم للقتل قال: لا أقال الله عثرة من يباحث من يقدر على ضره، فكيف من يقدر على قتله، لأن المباحثة قتال بالألسن يؤدي إلى قتال بالأيدي، ومن شعره:

أحادي عيسهم إن جئت سلعاً ... فعرض واللبيب له اطراد

وقل أين الرباب وأين سلمى ... وهند بينهن هي المراد

ملندة (١٠) :

مدينة في بلاد الزنج على ضفة البحر (١١) ، وهي كبيرة وأهلها متحرفون بالصيد براً وبحراً، فيصيدون في البر النموس والدباب (١٢) ، ويصيدون في البحر ضروباً من الحيتان فيملحونها ويتجرون بها، وعندهم معدن حديد يحتفرونه ويعملونه، وهو جل مكسبهم وتجاراتهم، وأهلها يزعمون أنهم يسحرون الحيوان الضار حتى لا يضر إلا لمن أرادوا ضرره والنقمة منه، وإن السباع والنمور لا تعدو عليهم لأجل سحرهم لها.


(١) ع ص: يجزون.
(٢) الاستبصار: ١٨٧.
(٣) ص: تاجروت؛ وعند الإدريسي (د) ٧٧: تاقررت؛ الاستبصار: تاقرارات.
(٤) ع ص: بغيطات؛ الاستبصار: بغيضات.
(٥) ع: محاير.
(٦) ص: فسل؛ الاستبصار: بسيل.
(٧) الإدريسي (د/ب) : ٧٩، ٨٠/ ٥١.
(٨) انظر الإدريسي (د/ ب) : ٧٢/ ٤٧، وقد ذكر أنها كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها سوق نافقة وبها زروع كثيرة، وبينها وبين آنفال مرحلة.
(٩) سماه في التكملة (رقم: ١٦٥٧) عبد الرحمن بن محمد بن تميم بن المعز المكولي - ويكنى أبا زيد - دخل الأندلس وامتحن في الفتنة بها؛ وذكر أن قتله تم سنة ٦٢٣؛ ولم يشر إلى علاقته بالفلسفة.
(١٠) نزهة المشتاق: ٢٢ (OG: ٥٩) ، وانظر بسط الأرض: ١٤، وتقويم البلدان: ١٥٢.
(١١) ع ص: النيل.
(١٢) نزهة المشتاق: النمور والذئاب.

<<  <   >  >>