للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعظم الله معنى ذكرها قسماً (١) قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس

وبلرم هذه دار الملك بصقلية في مدة الإسلام ومدة الروم، ومنها كانت تخرج الأساطيل للغزو، وهي على ساحل البحر والجبال محدقة بها ولها ساحل حسن، وفيها من المباني الحسنة ما هو مشهور، وفيها المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجارة، وبها الجامع الأعظم الذي كان في الزمن القديم وفيه من البنايات وغرائب الصنعة وأجناس التزويق والكتابات (٢) كل شيء حسن، ولها ربض هو مدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهاتها، وبها المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي كان بها سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين وباب البحر ودار الصناعة.

والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة جارية متدفقة وفواكهها كثيرة ومبانيها ومتنزهاتها حسنة رائقة.

وكان إبراهيم بن أحمد بن الأغلب أمير إفريقية نزل على بلرم هذه حين توجه إلى صقلية غازياً ففتح بلرم هذه ودخلها سنة سبع وثمانين ومائتين وقتل من أهلها بشراً عظيماً ثم عفا عنهم، وكان المتولي لحربها ابنه أبو العباس الذي كان ولي عهده وتخلى له عن التدبير عندما أظهر التوبة وأنه يريد الحج ثم أظهر أنه يخاف ابن طولون صاحب مصر ولا يمكنه الجواز عليه بمصر، فصرف وجهه وجده إلى الجهاد وأزال المظالم ونادى مناديه بردها وحضور المتظلم إلى مجلسه، ومات وهو محاصر كشنته (٣) من صقلية وكان منع من النوم وبه زلق الأمعاء فوصف له دواء عمله وعرض له الفواق، فقيل: الانطلاق والفواق علتان مفنيتان، ولم يشرب ذلك الدواء، واشتغل إبراهيم بنفسه وزادت به العلة فمات في ذي القعدة من سنة تسع وثمانين ومائتين، وأدى أهل كشنته الجزية وهم لا يعلمون بموته، وحمل إلى المدينة بلرم بعد أن صبر فدفن بها، وقبره في بلرم مشهور.

بلكين (٤) :

جبل بلكين في جزيرة صقلية وفيه المغارة العظيمة التي فيها الدفين المكنوز الذي وضعه هناك صاحب قطانية، وقد أعجزت الناس الحيلة في الوصول إليه. قال محمد بن سعيد الأنصاري الأرجواني إنه أتى هذا الغار في نفر أرادوا الوقوف عليه ومعاينة ما فيه، قال: وكان ديراً للرهبان يسكنونه وله باب واسع يكون طوله مائتي ذراع في مثله، وله مما يلي القبلة باب آخر صغير، قال: فنزلت أنا وصاحب لي فيه فإذا بين أعلاه وقعره نحو ستين قامة وأنزلنا مع أنفسنا سرج الشمع وبقي سائر أولئك النفر في أعلى الغار ينتظرون تحريكنا للحبال التي أرسلونا بها فيجذبونها، قال: ثم سرنا في الغار منحدرين في طريق يسلك تجاه الجنوب حتى أفضينا إلى بئر عمقها نحو ست قيام فنزلنا إليها فإذا بطريق يشرع فيها فسرنا مدة منحنين نحو نصف ميل أيضاً ثم لم تزل تقصر علينا حتى سلكناه حبواً حتى وصلنا إلى مجلس كبير مملوء بحجارة قدر كل حجر نصف القنطار، فنظرنا في إخراج تلك الحجارة فعلمنا إن أخرجنا منها حجراً واحداً فما زاد سد المسلك الذي دخلنا منه، قال: ورأيت للمجلس المذكور من خلل الحجارة باباً آخر من جهة القبلة مرتفعاً عن أسفله بنحو القامتين ومنه أدخلت إليه تلك الحجارة والله أعلم. قال: وقد صنع أمام ذلك المجلس طاق محفور في ناحية المغارة وله فتح قصير يكون شبرين في مثلهما لا يدخل فيه الداخل إلا بتعب شديد ومشقة مجهدة، يذكرون أنه ينزل منه إلى مكان صعب ينزل فيه بحيلة ولطف يوصل منه إلى سماط عظيم يكون طوله نحو مائة ذراع في عرض سبعين ذراعاً وعلوه كثير وفيه عجائب عظيمة من حياض مملوءة بضروب من مياه الحكمة وصور قد وضعت لفنون من المنفعة، قال: فأردنا الدخول إليه والوقوف على عجائبه فخشينا أن ينفد الشمع الذي كان معنا فنهلك، قال: فانصرفنا من حيث دخلنا وكان دخولنا إثر صلاة الصبح، فما وصلنا إلى موضع الحبال التي توازي باب المغارة إلا بعد هزيع من الليل فتعلقنا بالحبال وخرجنا، وقد كان أصحابنا أيسوا منا. ويقال إن صاحب قطانية أدخل هذا الدفين هناك من أسفل غربي الجبل من مغارة أخرى كانت تنفذ إلى هذه ثم سد بابها بطين الحكمة فالله أعلم، ويذكر أن محمد بن سعيد هذا وجد هناك مالاً عريضاً وأصاب فيه خيراً كثيراً.


(١) يشير غلى أن معنى صقلية ((التين والزيتونة)) وبهما أقسم عز وجل، وسيأتي ذكر ذلك في مادة صقلية.
(٢) ع: والحنايات، ولعله يريد ((الحنيات)) أو ((الحنايا)) .
(٣) في الأصلين: لشنته، والمقصود مدينة (Cosenza) في قلورية بإيطاليا لا بصقلية، وقد جرى المؤلف على تصحيفها ولذلك أدرجها في حرف اللام ((لشنته)) .
(٤) المعلومات التي يوردها المؤلف ليس لها ما يماثلها في المصادر المتيسرة لدينا، ويذكر الأستاذ رتزتانو أن أقرب الأسماء إلى هذا الاسم (Monte Pellegrion) وهو الذي يرد عند الإدريسي (م) : ٨ باسم بلقرين.

<<  <   >  >>