للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليهم في ضيق هذا المطرد ليحرزن المسلمين هذا العدد، فقال المثنى للناس: اجعلوا جبننا بي ولا تعبروا، فقالوا: وكيف نصنع وقد عبر أميرنا وسليط في الأنصار وعبر أناس؛ فقال المثنى: إني لأرى ما يصنعون ولولا أن خذلانكم يقبح ولا أراه يحل ما صحبتكم، ثم عبر فالتقى الناس في موضع ضيق.

وكانت دومة امرأة أبي عبيد رأت وهي بالطائف كأن رجلاً نزل من السماء معه إناء فيه شراب فشرب منه أبو عبيد ورجال من أهل بيته، فقصتها على أبي عبيد فقال: هذه الشهادة إن شاء الله، فلما التقوا قال أبو عبيد: إن قتلت فأميركم عبد الله بن مسعود بن عمرو بن عمير يعني أخاه، فإن قتل فجبر بن أبي عبيد يعني ولده، فإن قتل فأميركم فلان، وعد أمراء كلهم شرب من الاناء ثم قال: فإن قتل فأميركم المثنى بن حارثة، وجعل على ميمنته سليط بن قيس وعلى ميسرته المثنى، وقدم ذو الحاجب الجالنوس معه الفيل الأبيض وراية كسرى وقد أحاطت به حماة المشركين، وكانت بين الناس مشاولة يخرج العشرة والعشرون فيقتتلون ملياً من النهار، ثم حمل المشركون فنضحهم المسلمون بالنبل وجثت رجالهم فاستقبلوا بالرماح، فلم يقدروا من المسلمين على شيء فانصرفوا عنهم، ثم حملوا الثانية ففعلوا مثلها، ثم انصرفوا وحملوا الثالثة فصبروا، فلما رأوا أنهم لا يقدرون على ما يريدون من المسلمين جاءوا بالنشاب فوضعوه كأنه آكام وتفرقوا ثلاث فرق، فقصدت فرقة لأبي عبيد في القلب، وفرقة لسليط في الميمنة، وفرقة للمثنى في الميسرة، ثم صاروا كراديس فجعل الكردوس يمر معرضاً بالمسلمين ويرميهم حتى كسرت الجراحات فيهم، وأقبلت الفيلة عليها الجلاجل، والخيول عليها التجافيف، والفرسان عليهم الشعر، فلما نظرت إلى ذلك خيول المسلمين رأت شيئاً منكراً لم تكن ترى مثله، فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم وإذا حملت المشركون عليهم بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم فلا تقوم لها الخيل إلا على نفار وخزقهم الفرسان بالنشاب وعض المسلمين الألم، وجعلوا لا يصلون إليهم فنادى سليط بن قيس: يا أبا عبيد أرأيي أم رأيك؟ أما والله لتعلمن أنك قد أضررت برأيك نفسك والمسلمين، ثم قال: يا معشر المسلمين على م نستهدف لهؤلاء المشركين؟ من أراد الجنة فليحمل معي، فحمل في جماعة أكثرهم من الأنصار فقتل وقتلوا، وترجل أبو عبيد وترجل الناس ومشوا إليهم فتكافحوا وصافحوهم بالسيوف، وحمي الناس حتى كثرت القتلى بين الطائفتين جميعاً، وجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم، فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة فقطعوا بطنها واقلبوا عنها أهلها. وواثب هو الفيل الأبيض فتعلق بخطامه ووقع الذي عليه وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلاً إلا حطوا رحله وقتلوا أصحابه، وضرب أبو عبيد مشفر الفيل فقطعه؛ واستدبره أبو محجن فضرب عرقوبه فاستدار وسقط بجنبه، وتعاور أبا عبيد المشركون فقتلوه، وقيل خبطه الفيل لما قطع مشفره وقام عليه، فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذي كان أمره من بعده، فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد فاجتره إلى المسلمين وأحرزوا شلوه ثم تجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده وخبطه الفيل وقام عليه، وتتابع أمراء أبي عبيد الذين عهد إليهم كلهم يأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت وصبر الناس حتى قتلوا وصارت الراية إلى المثنى بن حارثة فجاش بها الناس ساعة ثم انهزم الناس وركبهم المشركون ثم حمل المثنى في سبعين من بكر بن وائل أصحاب خيل مقرحة كان يعدها للطلب وللغارة، فقاتلهم حتى ارتفع عنهم المشركون فانضموا إلى إخوانهم من المسلمين، ومضى الناس نحو الجسر وجاءهم المثنى وعروة بن زيد الخيل وجماعة، ونادى المثنى: أيها الناس أنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا فإنا لن نزول حتى نراكم من ذلك الجانب، فانتهى الناس إلى الجسر وقد سبق إليه عبد الله بن مرثد الثقفي، أو غيره فقطعه وقال: قاتلوا من دونكم فخشع الناس فاقتحموا الفرات فغرق من لم يصبر، وأسرع المشركون في من صبر، وأتاهم المثنى بن حارثة فأمر بالسفينة التي قطعت فوصلت بالجسر، وعبر الناس، وقال المثنى للرجل الذي قطع الجسر: ما حملك على ما صنعت؟ قال: أردت أن يصبر الناس، وأصيب يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة وقتل من المشركين ألفان وقيل أكثر من ذلك، وقيل أسرعت السيوف في أهل فارس وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة ولم تبق إلا الهزيمة، فلما خبط أبو عبيد وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة وركبهم أهل فارس، وقيل هلك يومئذ من المسلمين نحو أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وهرب ألفان وبقي ثلاثة آلاف. ولما عبر الناس عبر المثنى وقطع الجسر بعد عبورهم فعقده المشركون، وخرج جابان ومرداشاه في ألف من الأساورة مستخفين ليسبقوا المسلمين إلى الطريق، وبلغ ذلك المثنى فخرج يريدهما في جريدة خيل، فاعترضاه يظنانه (١) ، هارباً فأخذهما أسيرين


(١) سقطت من ع.

<<  <   >  >>