كمائدة سليمان التي ألفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة، وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة وغيرهما من الذخائر كانت مما حازه صاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر.
وذكروا أن الخضر وقف بأشبان هذا وهو يحرث الأرض بفدن له أيام حداثته، فقال له: يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على ايليا فارفق بورثة الأنبياء. فقال له أشبان: أساخر رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين فقير حقير، فقال: قدر ذلك لك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت فريع لما رأى، وذهب الخضر عنه وقد قر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان وداخل الناس وصحب أجل الناس، وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيماً، وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة الأشبان بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً، ثم دخل عليهم من حجر رومة أمة أخرى تعرف بالشبونقات وذلك زمان مبعث المسيح عليه السلام، فملكوا الأندلس وإفرنجة معها واتخذوا دار مملكتهم مدينة ماردة واتصلت مملكتهم إلى أن ملك منهم أربعة وعشرون ملكاً، ويقال إن منهم كان ذو القرنين. ثم دخل على هؤلاء الشبونقات أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من يومئذ عن صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار سلطانهم، وخنشوش (١) ملك القوط هو أول من تنصر من هؤلاء فدعا الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرة، وهو الذي أصل النصرانية، والانجيلات والمصاحف الأربعة من انتساخه وجمعه وتثقيفه، فتنافست ملوك القوط بالأندلس بعده حتى غلبهم عليها العرب، وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكاً، ولذريق لم يكن من أبناء الملوك ولا بصحيح النسب في القوط وإنما نال الملك من طريق الغصب والتسور، ولما مات غيطشة الملك وكان أثيراً لديه فاستصغر أولاده واستمال طائفة من الرجال مالوا معه، فانتزع الملك من ولد غيطشة، وغيطشة آخر ملوك القوط بالأندلس ولي سنة سبع وسبعين من الهجرة فملك خمس عشرة سنة.
وكانت طليطلة دار المملكة بالأندلس حينئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به لئلا يفتح قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر كلما ملك منهم ملك زاد على البيت قفلاً فلما ولي لذريق عزم على فتح الباب والاطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغاً لاشيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً لا شيء فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي: إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم العجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحراس على حالهم.
وكان من سير الأعاجم بالأندلس أن يبعث أكابرهم بأولادهم إلى بساط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم، فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وجه ابنة له بارعة الجمال تكرم عليه، فوقعت عين لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها، واحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه، فكان امتعاضه من فاحشة بنته السبب في فتح الأندلس للذي سبق من قدر الله سبحانه ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في شهر ينير، وأقبل حتى احتل بطليطلة حضرة لذريق، فأنكر عليه مجيئه في ذلك الوقت، وسأله عن السبب في ذلك، فذكر له أن زوجته اشتد شوقها إلى ابنتها التي عنده وتمنت لقاءها قبل الموت وألحت عليه في إحضارها وأحب إسعافها بها، وسأل الملك إخراجها إليه وتعجل إطلاقه للمبادرة بها ففعل، وأجاز الجارية وتوثق منها بالكتمان عليه وأفضل على أبيها، فانقلبت عليه.
وذكر أنه لما دخل عليه قال له لذريق: إذا أنت قدمت علينا فاستفره لنا من الشذانقات، فقال له: أيها الملك، والمسيح لأدخلن عليك شذانقات ما دخل عليك بمثلها قط يعرض له بما أضمر من السعي في إدخال رجال العرب الأندلس عليه وهو لا يفطن فلم يتنهنه يليان إذ وصل سبتة أن تهيأ للمسير نحو موسى بن نصير، فأتاه بإفريقية، فحرضه على غزو الأندلس،