للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مياسير ويشق ربضها (١) نهر الصغد ويخترق أكثر ديارها وشوارعها وأسواقها ولأهل بخارى عليه أرحاء عدة، وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق المتسعة والأشجار والمزارع، ويقع فاضل هذا النهر في بحيرة كبيرة هناك، ولبخارى هذه مدن عدة.

وافتتح بخارى (٢) سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية رضي الله عنه ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل مغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها.

قال أهل العلم بالممالك (٣) : لم ير ولم يسمع بظاهر بلد أحسن من ظاهر بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء فكأن السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر تلوح القصور فيما بين ذلك كالكواكب العلوية بياضاً ونوراً، بين أرض وضياع كوجه المرآة استواء وكطلعة الحسناء بهاء قد جمعت إلى بعد المسافة وسعة المساحة عذاء التربة وكمال حسن المنتزه قالوا: والمشار إليه من متنزهات الأرض صغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق وسواد العراق.

وببخارى (٤) دار الإمارة على جميع خراسان، وهي مدينة في مستو من الأرض ويحيط بها من القصور والبساتين والمسالك والقرى المتصلة والسكك المشتبكة ما يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها ويحيط بذلك كله سور يجمع تلك القرى والقصور ولا يرى من أضعاف ذلك قفر ولا خراب، ومن دون هذا السور على القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال التي تعد من القصبة سور آخر هو فرسخ في مثله، ومدينة داخل هذا السور وتحيط بها حصون ولها قهندز خارج المدينة متصل بها وهو مقدار مدينة صغيرة وبها قلعة بها مسكن ولاة خراسان، ولها ربض عريض طويل، والمسجد الجامع على باب القهندز في المدينة، ولها سبعة جوامع وأسواقها في ربضها وليس بخراسان ولا ما وراء النهر ما هو أشد اشتباكاً من بخارى ولا أكثر أهلاً، وفي ربضها نهر الصغد يشق الربض وأسواقها، وهو آخر نهر الصغد ويصير إلى طواحن وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء هناك، وللمدينة سبعة أبواب حديد وللقهندز بابان ولربضها دروب كثيرة وليس في مدينتها ولا قهندزها ماء جار لارتفاعهما (٥) ، وتنبعث من نهرها الأعظم أنهار، وليس في داخل حدود بخارى جبل ولا نشز إلا موضع المدينة ولهم خارج المدينة ملاحات.

وأهل بخارى (٦) يتفاوضون فيما بينهم ويتعارفون أنه ما عقد في قلعتهم لواء ولا خرجت منه راية فهزمت ولا غلب فيها وال قط وهذا من الاتفاق العجيب. ولسان بخارى لسان الصغد يحرف بعضه قليلاً، وزيهم الأقبية والقلانس كزي ما وراء النهر لأنها مستقيمة على كور ما وراء النهر، ويرجع أهلها من العفة والدماثة والأمانة وحسن السيرة وحسن المعاملة وقلة الشر وإفاضة الخير وبذل المعروف وسلامة النية إلى ما يفضلون به سائر الناس.

ويكفي أن من بخارى الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (٧) رحمه الله مؤلف الكتاب الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عليه معول أهل السنة في جميع بلاد المسلمين وغير ذلك من تصانيفه، ومناقبه لا تحصى توفي سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنتين وستين سنة.

وفي سنة ست عشرة وستمائة (٨) وقعت كائنة الططر العظمى، كان فيها المصاف بين الملك خوارزم شاه وجنكزخان بين نهر سيحون ونهر جيحون ودام القتال ثلاثة أيام بلياليها وقتل من الفريقين ما لا يحصى ولم ينهزم المسلمون ولا الكفار، فلما كانت الليلة الرابعة افترق كل فريق منهما تحت الليل وفر خوارزم شاه وقد انقطع قلبه مما شاهد من صبر (٩) العدو وأيقن بذهاب دولته على


(١) ص: بعضها.
(٢) الطبري ٢: ١٧٩، ٣٩٣ - ٣٩٤، ١١٩٨؛ وانظر أيضاً تاريخ بخارى للترشخي.
(٣) هذا النص أورده ياقوت نقلاً عن كتاب الصور؛ مع بعض اختلاف.
(٤) من هنا يتفق النص مع ابن حوقل: ٣٩٨ والكرخي: ٣٩٩ وهو أقرب غلى ابن حوقل، وقد سها المؤلف أن ما نقله عن نزهة المشتاق بجمع كثيراً من الحقائق التي وردت في هذه الفقرة، إذ ليس نص الإدريسي إلا نص ابن حوقل او الكرخي مع تحوير يسير.
(٥) في الأصلين: لارتفاعها.
(٦) متابع لابن حوقل: ٤٠٤ والكرخي: ١٧٦ مع تصرف وزيادة.
(٧) ترجمته في تاريخ بغداد ٢: ٤ - ٣٦، وطبقات الحنابلة ١: ٢٧١،وابن خلكان ٣: ١٨٨، والوافي ٣: ٢٣٢، وتذكرة الحفاظ: ٥٥٥، وتهذيب التهذيب ٩: ٤٧، والشذرات ٢: ١٣٤، وإرشاد الساري ١: ٣١.
(٨) ابن الأثير ١٢: ٣٦٤ (حوادث ٦١٧) ، ولكن مؤلف الروض ينقل عن مصدر آخر.
(٩) ص: قير؛ ع: غير، والترجيح من ناسخ ص.

<<  <   >  >>