السَّلف يخرجونَ إلى الحدَّادينَ ينظرونَ إلى ما يصنعونَ بالحديدِ، فيبكونَ
ويتعوَّذون باللَّهِ من النَّارِ.
ورأى عطاءٌ السَّليمي امرأةً قد سجرت تنورَها، فغُشي عليه.
قال الحسنُ: كانَ عمرُ رُبَّما تُوقدُ له النَّارُ، ثم يُدني يدَه منها، ثم يقول: يا ابنَ الخطاب! هل لك على هذا صبرٌ؟
كانَ الأحنفُ بنُ قيسٍ يجيءُ إلى المصباح فيضعُ أُصبعَه فيه، ويقول:
حسِّ، ثمَّ يُعاتبُ نفسه على ذنوبهِ.
أجَّجَ بعضُ العبَّادِ نارًا بين يديه وعاتبَ نفسه، فلم يزلْ يعاتبُها حتى مات.
نارُ الدنيا جُزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنَّم، وغُسلَت بالبحر مرتين حتى
أشرقت وخفَّ حرُّها، ولولا ذلك ما انتفعَ بها أهلُ الدُّنيا، وهي تدعو اللَّهَ
ألا يعيدَها إليها.
قال بعضُ السَّلف: لو أُخرجَ أهلُ النار منها إلى نار الدنيا
لقالُوا فيها ألفَي عام.
يعني أنهم كانُوا ينامُون فيها ويرونها بردًا.
كان عمرُ يقول: أكثروا ذِكرَ النَّارِ؛ فإنَّ حرَّها شديدٌ، وإنَّ قعرها بعيدٌ.
وإنَّ مقامعها حديدٌ.
كان ابنُ عمر وغيرُه من السَّلف إذا شربوا ماءً باردًا بكوا وذكروا أمنيَّةَ أهل
النار وأنَّهم يشتهون الماء الباردَ، وقد حيلَ بينهم وبينَ ما يشتهون، ويقولون
لأهل الجنة: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) ، فيقولُونَ
لهم: إنَّ اللهَ قد حرَّمَهما على الكافرينَ.
والمصيبةُ العُظْمى حينَ تطبُقُ النَّارُ على أهلِها، وييأسونَ من الفرج، وهو الفزعُ الأكبرُ الذي يأمنُه أهل الجنةِ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) .