وفي "صحيح البخاريِّ " عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:
"ليقفنَّ أحدُكم بين يدي اللَّه عزَّ وجلَّ ليسَ بينه وبينه حجابٌ ولا ترجمانُ يترجمُ له، ثم ليقولنَّ لهُ: ألم أوتكَ مالاً؛ فليقولنَّ بلى، ثم يقولُ: ألم أرسلْ إليك رسولاً؛ فليقولنَّ: بلى، فينظرُ عن يمينه فلا يرى إلا النارَ، ثم ينظرُ عن شمالِهِ فلا يَرى إلا النارَ، فليتقين أحدُكُم النارَ ولو بشقِّ تمرة، فإن لم يجدْ فبكلمةٍ طيبة".
وفي حديث عبدِ الرحمنِ بن سمرةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج يومًا فقال:
"رأيت الليلةَ عجبًا" فذكرَ حديثًا طويلاً، وفيه:"رأيتُ رجلاً من أُمَّتي يتقي وهجَ النارَ وشررَهَا بيديه من وجهِه، فجاءتْهُ صدقتُهُ فصارتْ سترًا على رأسه وظلاًّ على وجهِهِ ".
ومن اشتغلَ بتربيةِ منزلتِهِ عند اللَّه تعالى بما ذكرنا من العلم الباطن وصلَ
إلى اللَهِ فاشتغلَ به عمَّا سواه، وكان له في ذلك شُغُلٌ عن طلبِ المنزلةِ عندَ
الخلقِ، ومع هذا فإنَّ اللَّه يُعطيه المنزلةَ في قُلوبِ الخلقِ والشرفَ عندَهم، وإن كان لا يريدُ ذلك ولا يقفُ معه؛ بل يهرَبُ منه أشدَّ الهربِ ويفِرُّ أشدَّ الفِرارِ خشية أن يقطعع الخلقُ عن الحقِّ - جلَّ جلالُهُ.