في هدايتِهِ وحراستِه وتوفيقِهِ وتأييدِهِ ونصى ورزقِهِ، وغير ذلك من مصالح
دينِهِ ودنياهُ تولَّى اللًّه مصالحَهَ كلَّها، فإنَّه تعالى ولِيُّ الذين آمنوا. وهذا هو
حقيقةُ الوثوقِ برحمةِ اللَّهِ كما في هذا الدعاءِ "فإني لا أثقُ إلا برحمتِكَ ".
فمن وثقَ برحمةِ ربِّه ولم يثقْ بغيرِ رحمتِهِ، فقد حقَّقَ التوكلَ على ربِّه في
توفيقِهِ وتسديدِهِ، فهو جديرٌ بأن يتكفلَ اللَهُ بحفظِهِ، ولا يكلُهُ إلى نفسِهِ.
* * *
قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)
ومِنْ أظهرِ التَّعييرِ: إظهارُ السوءِ وإشاعتُه في قالَبِ النُّصح وزعْمُ أنه إنما
يحملُهُ على ذلك العيوبُ إما عامًا أو خاصًا وكان في الباطن إنما غرضُهُ التعييرُ
والأذَى فهو من إخوانِ المنافقينَ الذينَ ذمَّهم اللَّهُ في كتابه، في مواضعَ، فإنَّ
اللًّهَ تعالى ذمَّ من أظهرَ فعلاً وقولاً حسنًا وأرادَ به التوصُّلَ إلى غَرَضٍ فاسدٍ
يقصدُهُ في الباطنِ، وعدَّ ذلك من خصال النفاقِ كما في سورةِ براءةَ التي
هتَكَ فيها المنافقينَ وفضَحَهُمْ بأوصافهم الخبيثة، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) .
وقال تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا..) ، وهذه الآيةُ نزلتْ في اليهودِ لمَّا سالهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتمُوه وأخبرُوه بغيرِه، وقد أرَوْه أنْ قد أخبرُوه بما سألهم عنه، واستحمدُوا بذلك عليه وفرحوا بما أتَوا من كتمانِهِ ما سألهُم عنه.