قال بعضُ السلفِ: أيهم أزهدُ في الدنيا، وأرغبُ في الآخرةِ، وجعل ما
في الدنيا من البهجةِ والنُضرةِ محنةً لينظر من يقفُ منهم معه، ويرْكَنُ إليه.
ومن ليسَ كذلك، كما قال تعالى:(إِئا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لنَبْلُوَهُمْ أَيّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، ثمَّ بيّن انقطاعَهُ ونفادَهُ، فقال:(وَإِنَّا لَجَاعِلونَ مَا عَلَيهَا صَعِيدًا جُرُزًا) ، فلمَّا فهِمُوا أنَّ هذا هو المقصودُ من الدنيا، جعلُوا
همَّهم التزودَ منها للآخرةِ التي هي دارُ القرارِ، واكتفُوا منَ الدنيا بما يكتفِي به
المسافرُ في سفر، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثلُ الدُّنيا كرَاكبٍ قالَ في ظِلِّ شجرةٍ، ثم راحَ وترَكها".
ووصَّى - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من الصحابةِ أن يكونَ بلاغُ أحدِهم من الدنيا كزادِ الراكبِ، منهم: سلمانُ، وأبو عُبيدةَ بنُ الجراح، وأبو ذرٍّ، وعائشةُ، ووصَّى ابنَ عمرَ أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، وأن يعُدَ نفسَهُ من أهلِ القبورِ.