قال: (هُمْ أولاءِ عَلَى أَثَرِي) ، فأفكرتُ في معنى اشتِقاقِها، فنظرتُ فإذا
وضعها للتنبيه، واللَّه لا يجوزُ أن يخاطبَ بهذا، ولَم أر أحدًا خاطبَ اللَّه عز
وجل بحرف التنبيه إلا الكفار، كما قال اللَّه عز وجل (قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ
شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ) ، (رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلّونَا) .
وما رأيت أحدًا من الأنبياءِ خاطب، ربَّه بحرف التنبيه، والله أعلم.
فأما قوله: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنونَ) ، فإنه قد تقدَّم
الخطاب بقوله: يا ربِّ، فبقيت "ها" للتمكين، ولما خاطب اللَّه عز وجل
المنافقين، قال: (هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلتُم عَنْهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، وكرَّم
المؤمنين بإسقاط "ها" فقال: (هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُونَهُمْ) .
كان التنبيه للمؤمنين أخفَّ.
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)
روى حمَّادُ بنُ سلمةَ، عن محمدِ بنِ عمرِو بنِ علقمةَ، عن أبي سلمةَ عن
أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "والَّذي نفسِي بيده؛ إنه ليَسْمَعُ خفقَ نعالِكُم حين تولُّون عنه، فإنْ كانَ مؤمنًا، كانتِ الصلاةُ عندَ رأسِهِ، والزكاةُ عن يمينِهِ، والصومُ عن
شمالِهِ، وفعلُ الخيراتِ والمعروفِ والإحسانِ إلى الناسِ من قِبَلِ رِجْليْهِ، فيؤتى من قِبل رأسه، فتقولُ الصلاةُ: ليْس من قِبَلي مدخل ثم يؤتى عن يمينهِ فتقول الزكاة: ليس من قِبَلي مدخل، ثم يُؤتى عن شمالِهِ، فتقولُ الصومُ: ليس مِنْ قبلي مدْخل، تم يُؤتى قِبل رِجْليهِ، فيقولُ فعلُ الخيراتِ والمعروف والإحسانِ إلى الناسِ: ليس من قِبَلي مدخل.