وأمَّا البرزخُ فقضى فيه في مقدماتِ هذَينِ الحقَّينِ ووسائِلِهما، فمقدمةُ
الصلاةِ: الطهارةُ من الحَدَثِ والخَبثِ، ومقدمةُ الدماءِ النميمةُ والوقيعةُ في
الأعراضِ، وهما أيسرُ أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبةِ والعقابِ
عليهِما.
وروى عبدُ الرزَّاقِ، عن معمر، عن أبي إسحاقَ، عن أبي ميسرةَ، عمرِو
بنِ شرحبيلَ، قالَ: ماتَ رجلٌ، فلمَّا دخلَ في قبرهِ أتتْه الملائكةُ، فقالُوا: إنا
جالدوكَ مائةَ جلده من عذابِ اللَّهِ، قال: فذكرَ صلاتَهُ وصيامَه واجتهادَهُ
قال: فخفَّفُوا عنه حتى انتهى إلى عشرة، ثم سألَهُم، فخَّففوا عنه حتَّى انتهى
إلى واحدة، فجلدوه جلدةً اضطرمَ قبرُه نارًا، وغُشِيَ عليه، فلما أفاق قالَ:
فيم جلدتمُونِي هذه الجلدة؟
قالوا: إنَّك بُلْتَ يومًا، ثم صليتَ ولم تتوضأْ.
وسمعتَ رجلاً يستغيثُ مظلومًا، فلم تغثْهُ.
ورواهُ أبو سنان، عن أبي إسحاقَ، عن أبي ميسرةَ، بنحوِه.
ورويناه من طريقِ حفصِ بن سليمانَ القارئِ وهو ضعيفٌ جدًّا، عن
عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابنِ مسعودٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - به.
فعذابُ القبرِ حصلَ ها هنا بشيئينِ: أحدُهما: تركُ طهارةِ الحَدثِ.
والثاني: تركُ نصرةِ المظلومِ مع القدرةِ عليه، كما أنه في الأحاديثِ المتقدمةِ
حصلَ بتركِ طهارةِ الخبثِ، والظلم بالقولِ، وهي متقاربةٌ في المْعنَى.
وفي حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ سمرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إنّي رأيتُ الليلَة عجبًا" فذكرَ الحديثَ بطوله، وفيه: "رأيتُ رجُلاً من أمَّتي بُسِطَ عليه عذابُ القبرِ، فجاءَهُ وضوءُه فاستنقذَهُ منه ".
أخرَّجَه الطبراني وغيره.