الدُّنيا تقلِّبُ جسْمَهُ يمنةً ويسرةً، وكذلك قلبُهُ لا تصِلُ إليه الرياحُ لأنَّه
محروسٌ بزبرِ الإيمانِ.
والكافرُ والمنافقُ والفاجرُ بعكسِ ذلكَ: جسمُه قويٌّ لا تقلبُّه رياحُ الدنيا.
وأما قلبُه فإنَه ضعيفٌ تلاعبُ به الأهواءُ المضِلَّةُ فتقلبُه يمنةً ويسرةً، فكذلكَ
كانَ مَثَلُ قلبهِ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثتْ من فوقِ الأرضِ ما لها من قرارٍ، كَما
شجرةُ الحنضلِ ونحوهِ مما ليسَ له أصلٌ ثابتٌ في الأرضِ.
وقال عليٌّ - رضي الله عنه - في صفةِ الهمج الرعاع: "أتباعُ كلِّ ناعقٍ يميلونَ مَعَ كل ريح لمْ يستضيئُوا بنورِ العلْم ولم يلجأوا إلى رُكن وثيقٍ ".
بهذا يظهرُ الجمعُ بين حديثِ تمثيل المؤُمِنِ بالنَّخَّلَةِ.
فإن التمثيلَ بالزرع لجسدِهِ لتوالى البلاءِ عليه.
والتمثيلُ بالنخلةِ لإيمانهِ وعملِهِ وقولِهِ.
يدلُّ عليه قولُه عزَّ وجلَّ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) .
فجعلها مثلاً لكلمةِ الشهادتينِ التي هي أصلُ الإسلامِ في قلبِ المؤمنِ.
كثبوتِ أصلِ النخلةِ في الأرضِ، وارتفاع عملِ المؤمنِ إلى السماءِ كارتفاع
النخلةِ، وتجددِ عملِ المؤمنِ كإتيانِ النخلةِ أكلَها كلَّ حينٍ.
وقد رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إن المؤمنَ الضَّعيفَ قلبُهُ كزرع والقويَّ مثلُهُ كمثلِ النَّخلةِ".
وخرَّجَه البزار وغيره. ولأن ثمرةَ الزرع - وهو السنبلُ -