للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعضُ السلف: بِحَسبِكَ من التوسلِ إليه أن يعلَمَ من قلبكِ حُسنَ

توكُّلك عليه، فكَمْ من عبدٍ من عبادِه قد فَوَّضَ إليه أمرَه فكفاه منه ما أهمَّه.

ثمَّ قرأ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) .

وحقيقةُ التوكُّلِ: هو صدقُ اعتمادِ القلبِ على اللَّهِ عزَّ وجلَّ في استجلابِ

المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدنيا والآخرةِ كُلِّها، وكلَةُ الأمورِ كُلِّها إليه، وتحقيقُ الإيمانِ بأنه لا يُعطي ولا يمنعُ ولا يضرُّ ولا ينفعُ سِواه.

قال سعيدُ بنُ جُبير: التوكُّلُ جماعُ الإيمانِ.

وقال وهبُ بنُ مُنبه: الغايةُ القُصوى التوكلُ.

قالَ الحسنُ: إن توكُّلَ العبدِ على ربِّه: أنْ يعلمَ أنَّ اللَّه هو ثقتُه.

وفي حديث ابن عباس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:

"مَنْ سرةَ أن يكونَ أقوى النَّاسِ فليتوكل على اللَّهَ ".

ورُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كانَ يقولُ في دعائهِ:

"اللهمَّ إنِّي أسالُك صدْقَ التوكُّل عليك "، وأنّه كان يقولُ:

"اللهمَّ اجعلني مِمَّنْ توكَلَ عليك فكفيْتَه " َ.

واعلمْ أنَّ تحقيقَ التوكلِ لا يُنافي السَّعي في الأسباب التي قَدَّر اللَّهُ سبحانَه

المقدوراتِ بها، وجرت سُنَّته في خَلْقهِ بذلك، فإن اللهَ تعالى أمرَ بتعاطي

الأسباب مع أمرهِ بالتوكُلِ، فالسَّعيُ في الأسبابِ بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلبِ عليه إيمان به، قال الله تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكمْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>