للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فيه بيانُ أنَّه حدَّ لهم ما أحلَّ لهُم وما حرَّم

عليهم، فلا يقربُوا الحرامَ، ولا يتعدَّوْا الحلالَ، ولذلكَ قالَ في آيةٍ آخرى:

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .

وجعلَ من يرعى حولَ الحِمى وقريبا منه جديرًا بأن يدخُلَ الحِمى ويرتعَ فيه.

فكذلكَ منْ تعدَّى الحلالَ، ووقعَ في الشبهاتِ، فإنَّه قد قاربَ الحرامَ غايةَ

المقاربةِ، فما أخلقَهُ بأن يُخالِطَ الحرامَ المحضَ، ويقع فيهِ، وفي هذا إشارةٌ إلى

أنَّه ينبغي التباعدُ عن الحرَّماتِ، وأنْ يجعلَ الإنسانُ بينه وبينها حاجزًا.

وقد خرَّج الترمذيُ وابنُ ماجةَ مِنْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ يزيدَ عن النبيِّ

- صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يبلغُ العبدُ أن يكونَ من المتَقين حتى يدع ما لا بأسَ به حذرًا مما به بأس".

وقال أبو الدرداءِ: تمامُ التقوى أن يتقي اللَّهَ العبدُ، حتَّى يتقيَه منْ مثقالِ

ذرَّةٍ، وحتى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلالٌ، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا

بينه وبيْنَ الحرامِ.

وقال الحسنُ: ما زالتِ التقوى بالمتقينَ حتى تركُوا كثيرًا من الحلالِ مخافةِ

الحرامِ.

وقال الثوريُّ: إنَّما سُموا "المتقين " لأنَّهم اتَّقوا ما لا يُتَّقى.

ورُوي عن ابنِ عمرَ قالَ: إنِّى لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرامِ سترة من الحلالِ لا أخرقُها.

وقال ميمونُ بنُ مهرانَ: لا يسْلَمُ للرجلِ الحلالُ حتى يجعلَ بينه وبين

الحرامِ حاجزًا من الحلالِ.

وقال سفيانُ بن عيينةَ: لا يصيبُ عبد حقيقةَ الإيمانِ حتى يجعلَ بينه وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>