قال جعفرُ بنُ سليمانَ: سمعتُ أبا عمرانَ الجونيَّ قال: إنَّ اللَّه لم ينظرْ
إلى إنسانٍ قطُّ إلا رحِمَهُ، ولو نظرَ إلى أهلِ النارِ لرحمَهُم، ولكن قضَى أن
لا ينظرَ إليهم.
وقال أحمدُ بنُ أبي الحواريِّ: حدثنا أحمدُ بنُ موسى عن أبي مريم، قال:
يقول أهلُ النارِ: إلهَنا ارضَ عنَّا وعذبْنا بأيِّ نوعٍ شئتَ من عذابِكَ، فإن
غضبَك أشدُّ علينا من العذابِ الذي نحنُ فيه، قال أحمدُ: فحدثتُ سليمانَ
ابنَ أبي سليمانَ، فقال: ليس هذا كلامُ أهلِ النارِ، هذا كلامُ المطيعينَ للَّه.
قال: فحدثتُ به أبا سليمانَ، فقالَ: صدق سليمانُ بنُ أبي سليمانَ -
وسليمانُ وهو ولدُ أبي سليمانَ الدرانى، وكان عارفًا كبيرَ القدرِ رحمه اللَّهُ -
وما قاله حقّ، فإنَّ أهلَ النارِ جهالٌ لا يتفطنونَ لهذا، وإن كان في نفسِهِ حقًّا، وإنَّما يعرفُ هذا مَنْ عرفَ اللَّهَ وأطاعَهُ، ولعل هذا يصدرُ من بعضِ من
يدخلُ النارَ من عصاةِ الموحدينَ، كما أن بعضَهُم يستغيثُ باللَّهِ لا يستغيثُ
بغيره، فيخرجُ منها، وبعضُهم يخرجُ منها برجائِهِ للَّه وحدَهُ، وبعضُ من
يؤمرُ به إلى النارِ يتشفع إلى اللَّه بمعرفتِهِ فينجيهِ منها.
قال أبو العباس بنِ مسروقٍ: سمعتُ سويدَ بنَ سعيد يقولُ: سمعتُ
الفضيلَ بنَ عياضٍ، يقول: يوقفُ رجل بين يدي اللَّهِ عزَّ وجلَّ، لا يكونُ
معه حسنة، فيقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ: اذهبْ هل تعرفُ أحدًا من الصالحينَ أغفرُ
لكَ بمعرفتهِ، فيذهبُ فيدورُ مقدارَ ثلاثين سنة فلا يرى أحدًا يعرفُهُ، فيرجعُ
إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، فيقولُ: يا ربِّ لا أرى أحدًا، فيقولُ اللَّه عزَّ وجلَّ:
اذهبُوا به إلى النارِ، فتتعلقُ به الزبانيةُ يجرُّونه، فيقول: يا ربِّ إن كنتَ تغفر
لي بمعرفة المخلوقينَ فإني بوحدانيتِكَ أنت أحقُّ أن تغفرَ لي، فيقولُ اللَّه - عز وجل -