وقالَ تعالى:(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) ، وأيضًا فقد قال اللَهُ تعالى بعد هذا:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) .
فجعل هذا كلَّه بعْدَ ذِكْرِه في الأيام المعلوماتِ وقضاءِ التَفَثِ، وهو شعثُ
الحج، وغبارُهُ ونصَبُهُ.
والطًوافُ بالبيتِ إنَّما يكونُ في يوم النحر وما بعدَه.
ولا يكونُ قبْله وقد جعلَ الله سبحانه هذا مُرَتبًا على ذِكرهِ في الأيامِ
المعلوماتِ بلفظةِ "ثُم" فدل على أن المرادَ بالأيام المعلوماتِ ما قبْل يومِ النَحْرِ.
وهو عشْرُ ذي الحجة.
وأما قوله تعالى:(وَيَذْكرُوا اسْمَ اللًهِ فِي أَيام مَّعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) فقيل: إن المرادَ ذكْرُهُ عند ذَبْحها، وهو حاصل بذكْر في
يوم النحر، فإنه أفضلُ أيامِ النَحْرِ، والأصح أنه إنما أريد ذِكْرُه شُكْرًا على
نعمة تسخيرِ بهيمة الأنعام لعباده، فإن للَّه تعالى على عباده في بهيمة الأنعامِ
نعمًا كثيرةً قد عدَّد بعْضها في مواضعَ منَ القرآنِ.
والحاج لهم خصوصية في ذلك عن غيرِهم؛ فإنهم يسيرونَ عليها إلى الحرم، لقضاءِ نُسكهم، كما قال تعالى:(وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وقال تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) ويأكلون من لحومِهَا، ويَشْربون من ألبانِها، وينتفعون بأصْوافِهَا وأوبارِها وأشعارِها.