فما عصَم الدمَ والمالَ فهو حقيقةُ التوحيدِ. انتهى.
وقد صحَّ عن ابنِ عباسٍ أنه أنكر على من استنكرَ شيئًا من هذه
النصوصِ، وزعمَ أنَّ اللَّه منزهٌ عما تدلُّ عليه.
فروى عبدُ الرزاقِ في "كتابِهِ " عن معمر، عن ابنِ طاووسَ، عن أبيه.
قال: سمعتُ رجلاً يحدِّثُ ابنَ عباسٍ بحديثِ أبي هريرة: "تحاجَّتِ الجنةُ
والنارُ"، وفيه: "فلا تمتلئُ حتَى يضع رِجْله " - أو قال: "قدمَهَ فيها"
قال: فقامَ رجلٌ فانتفضَ، فقال ابنُ عباسٍ: ما فرقُ هؤلاءِ، يجدونَ رقةً عند محكمِهِ، ويهلكُون عند متشابهه.
وخرَّجه إسحاقُ بنُ راهويه في "مسندِهِ " عن عبدِ الرزاق.
ولو كانَ لذلكَ عندَهُ تأويل لذكرهُ للناسِ ولم يسعْه كتمانُه.
وقد قابَل هؤلاءِ المتكلمينَ طوائف آخرون، فتكلَّموا في تقريرِ هذه
النصوصِ بأدلة عقلية، وردُّوا على النفاةِ، ووسَّعوا القولَ في ذلك، وبيَّنوا أن لازَم النَّفْي التعطيلُ المحضُ.
وأما طريقةُ أئمة أهلِ الحديثِ وسلفِ الأمَّة: فهي الكفُّ عن الكلامِ في
ذلك من الطرفينِ، وإقرارُ النصوصِ، وإمرارِها كما جاءتْ، ونفي الكيفيةِ
عنها والتمثيلِ.
وقد قال الخطابيُّ في "الأعلامِ": مذهبُ السلفِ في أحاديثِ الصفاتِ:
الإيمانُ، وإجراؤها على ظاهرِها، ونفيُ الكيفيةِ عنها.