وفي ذلك نظر، فإنَّ قراءةَ التشديدِ تدل على نسبة فِعْلِ التطهر إليها.
فكيف يُراد بذلكَ مجردُ انقطاع الدمِ ولا صنع لها فيه.
وقولُهُ: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، غاية النَّهْي عن قربأنهن، فيدل بمفهومِهِ
على أنَّ ما بعد التطهير يزول النهي.
فعلى قراءةِ التشديدِ المُفَسَّرة بالاغتسال إنَّما يزول النَّهْيُ بالتطهرِ بالماءِ.
وعلى قراءةِ التخفيفِ يدل على زوال النهي بمجردِ انقطاع الدمِ.
واستدل بذلكَ فرقةٌ قليلة على إباحةِ الوطْءِ بمجرد انقطاع الدمِ، وهو قول
أبي حنيفةَ، وأصحابِهِ، إذا انقطعَ الدمُ لأكثرِ الحيضِ، أو لدونِهِ، ومضَى عليها وقتُ صلاةٍ، أو كانتْ غيرَ مخاطبةٍ بالصلاةِ كالذِّمِّيَّة.
وحُكي عن طائفةٍ إطلاقُ الإباحةِ، منهم: ابنُ بُكَيْرٍ وابنُ عبدِ الحَكَم.
وفي نقله عنهُما نظرٌ.
والجمهورُ على أنَّه لا يباحُ بدونِ الاغتسال، وقالُوا: الآيةُ وإنْ دلَّتْ
بمفهومِهَا على الإباحةِ بالانقطاع إلا أن الإتيانَ مشروطٌ له شَرْطٌ آخرُ وهو
التَّطَهُر، والمرادُ به: التطهرُ بالماءِ، بقوله: (فَإِذَا تَطَهَرْنَ فَأتُوهُنَّ) .
فدل على أنَّه لا يكفي مجردُ التطهرِ، وأن الإتيانَ متوقفٌ على التطهرِ، أو
على الطُهْرِ والتَّطَهُّرِ بَعْدَه، وفسَّر الجمهورُ التَّطَهُّرَ بالاغتسال، كما في قولهِ:
(وَإِن كنتُمْ جُنُبًا فَاطَهَّرُوا) .
وحُكي عن طائفةٍ من السَّلفِ: أن الوضوءَ كافٍ بعد انقطاع الدمِ، منهم:
مُجاهدٌ، وعِكْرمةُ، وطاوسٌ، على اختلافٍ عنهم في ذلك.
قال ابنُ المنذرِ: رُوِّينا بإسنادٍ فيه مقال عن عطاءٍ وطاوسٍ ومجاهدٍ، أنهم