للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤيدُ هذا: أنه جاء في روايةٍ في "صحيح مسلم ": "فجاء رجلانِ

يحتقَّان "أيْ: يطلبُ كلُّ واحدٍ منهما حقَّه من الآخرِ، ويخاصمُه في ذلكَ.

فمن فسَّره بالسبابِ احتملَ عنده إدخال البخاريِّ للحديثِ في هذا البابِ:

أنَّ السباب تُعجَّلُ عقوبتُه حتى يُحرمَ المسلمونَ بسببِه معرفةَ بعضٍ ما يحتاجُون

إليه من مصالح دينهم.

وإنما رجا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكون ذلك خيرًا، لأن إبهامَ ليلةِ القدْرِ أدْعى إلى قيام العشر كلِّه - أو أوْتَارِه - في طلبِها، فيكونُ سببًا لشدةِ الاجتهادِ وكثرتِه، ولكنَّ بيانَ تلك الليلةِ ومعرفتَهم إياها بعينِها له مزيةٌ على إبهامِها، فرُفِع ذلك بسبب التلاحي.

فدلَّ هذا الحديثُ على أن الذنوبَ قد تكون سببًا لخفاءِ بعضِ معرفةِ ما

يحتاجُ إليه في الدِّينِ.

وقال ابنُ سيرينَ: ما اختلفَ في الأهلِ (١) حتى قُتلَ عثمانُ.

فكلَّما أحدثَ الناسُ ذنوبًا أوجب ذلك خفاءَ بعضِ أمورِ دينِهِم عليهم.

وقد يكونُ في خفائِه رخصةٌ لمن ارتكبَه، وهو غيرُ عالمٍ بالنهي عنه، إذ لو

علِمَه ثم ارتكبَه لاستحقَّ العقوبةَ.

ومَن فسَّر التلاحي بالاختصامِ، قال: مرادُ البخاريِّ بإدخالهِ هذا الحديثَ

في هذا البابِ: أنَّ التلاحِي من غيرِ سبابٍ ليس بفسوق، ولا يترتَّبُ عليه

حكمُ الفسوقِ، لأنه كان سببًا لما هو خيرٌ للمسلمينَ.


(١) كذا في الأصل، ولعله الأهلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>