للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن بكرٍ المزنيِّ، قال: لا تزالُ التوبةُ للعبدِ مبسُوطةً ما لم تأتِه الرسلُ، فإذا

عاينَهم انقطعتِ المعرفةُ، وعن أبي مجْلَزٍ قال: لا يزالُ العبدُ في توبةٍ ما لم

يعاين الملائكةَ.

وروى أيضًا في "كتاب الموت " بإسنادِهِ عن أبي موسى الأشعريِّ، قال: إذا

عايَنَ الميتُ الملَكَ ذهبتِ المعرفةُ. وعن مجاهد نحوه.

وعن حصينٍ، قالَ: بلغني أنَّ ملَكَ الموتِ إذا غَمَزَ ورِيدَ الإنسانِ حينئذٍ

يشخَصُ بصرُهُ، ويذهَلُ عن الناسِ.

وخرَّج ابنُ ماجةَ حديثَ أبي موسى الأشعريِّ مرفوعًا، قال: سألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: متى تنقطعُ معرفةُ العبد من الناس؟

قال: "إذا عاينَ ". وفي إسنادِهِ مقالٌ. والموقوفُ أشبَهُ.

وقد قيل: إنَّه إنَّما مُنع من التوبةِ حينئذٍ، لأنَّه إذا انقطعتْ معرفتُه وذهَلَ عقلُه، لم يتصوَّر منه ندم ولا عزْم، فإنَّ النَّدمَ والعزمَ إنَّما يصحُّ مع حضورِ العقْل، وهذا ملازم لمعاينةِ الملائكةِ، كما دلَّت عليه هذه الأخبار.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ ابنِ عمرَ: "ما لم يُغَرْغِر"، يعني إذا لم تبلُغْ رُوحُه عند خروجِهَا منه إلى حلْقِه، فشبَّه تردُّدها في حلقِ المحتضرِ بما يتغرْغَرُ به الإنسانُ من الماءِ وغيرِه، ويردده في حلقِهِ. وإلى ذلكَ الإشارة في القرآن بقولِهِ عزَّ وجلَّ: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) .

وبقولِهِ عزَّ وجلَّْ (كلَّا إِذا بَلَغَتِ التَرَاقِيَ) .

وروى ابنُ أبي الدنيا بإسنادِهِ، عن الحسنِ، قالَ: أشدُّ ما يكونُ الموتُ على

<<  <  ج: ص:  >  >>