وحُكي عن أبي يوسفَ ومحمدٍ والحسنِ بن زيادٍ والمزَنيِّ: أنَّ صلاةَ الخوفِ
لا تجوز بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لظاهرِ قولِ اللَّهِ تعالى: (وَإِذَا كنتَ فِيهِم فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ منْهُم مَّعَكَ) الآية.
قالُوا: وإنَّما يصلِّي الناسُ صلاةَ الخوفِ بعدَهُ بإمامين، كلُّ إمامٍ يصلي
بطائفةٍ صلاةً تامةً، ويسلِّم بهم.
وهذا مردودٌ بإجماع الصحابةِ على صلاتِها في حروبِهم بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد صلاَّها بعدَهُ: عليٌّ بنُ أبي طالبٍ، وحذيفةُ بنُ اليمانِ، وأبو موسى الأشعريُّ، مع حضورِ غيرِهم من الصحابةِ، ولم ينكرْه أحدٌ منهم.
وكان ابنُ عمرَ وغيرُه يعلِّمون الناسَ صلاةَ الخوفِ، وجابرٌ، وابنُ عباس
وغيرُهما يروونها للناس تعليمًا لهم، ولم يقل أحدٌ منهم: إن ذلك من
خصائصِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وخطابُه - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعُ مشاركةَ أُمَّتِه له في الأحكام، كما في قوله تعالى: (يَا أَيهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) .
وقوله. (خُذ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) .
وحُكي عن مالكٍ، أنها تجوزُ في السفرِ دون الحضرِ، وهو قول عبدِ الملكِ
ابنِ الماجشونِ من أصحابِهِ.
ويحتجُّ له بحملِ آيةِ القصرِ على صلاةِ الخوفِ، وقد شُرط لها شرطانِ:
السفرُ والخوفُ، كما سبقَ، ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان يصلِّي صلاةَ الخوفِ في