قال مُعُاذُ بنُ جبلٍ: يُنادَى يومَ القيامةِ: أين المتقونَ؟ فيقومون في كَنَفٍ من
الرحمنِ لا يحتجِبُ منهُم ولا يستترُ، قالُوا لَهُ: مَن المتَّقونَ؟
قال: قومٌ اتَّقوا الشِّركَ وعبادةَ الأوثانِ، وأخلصُوا للَّهِ بالعبادةِ.
وقالَ ابنٍ عباسٍ: المتَقونَ الذين يحْذَرون من اللَهِ عقوبتَه في تركِ ما يعرِفُون
من الهُدى، ويَرجونَ رحمته في التصديقِ بما جاء به.
وقال الحسنُ: المتقونَ اتَّقَوْا ما حُرِّم عليهِم، وأدَوا ما افْتُرِص عليهم.
وقال عُمرُ بنُ عبد العزيزِ: ليسَ تقوى اللَهِ بصيامِ النهارِ، ولا بصيامِ الليلِ.
والتخليطِ فيما بيْنَ ذلكَ، ولكن تقوى اللَّهِ تركُ ما حرَّم اللَّهُ، وأداءُ ما افترضَ اللَّه، فمن رُزِقَ بعدَ ذلك خيرًا، فهو خيرٌ إلى خيرٍ.
وقال طلقُ بن حبيبٍ: التَّقوى أن تعملَ بطاعة اللَّهِ على نورٍ من اللَّهِ ترجُو
ثوابَ اللَّه، وأن تتركَ معصيةَ اللَّهِ على نورٍ من اللهِ تخافُ عقابَ اللهِ.
وعن أبي الدرداءِ قالَ: تمامُ التقوى أن يتقيَ اللَّهَ العبدُ حتى يتقيَة من مثقال
ذرَّه، حتى يترك بعضَ ما يرى أنه حلالٌ خشيةَ أن يكونَ حرامًا يكونَ حجابًا
بينه وبين الحرامِ، فإنَّ اللَهَ قد بيَّنَ للعبادِ الذي يُصيرِهم إليه فقال:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨) .
فلا تحقرنَّ شيئًا من الخيرِ أن تفعلَهُ، ولا شيئًا من الشرِّ أن تتقيَهُ.
وقال الحسنُ: ما زالتِ التَّقوى بالمتقينَ حتَّى تركُوا كثيرًا من الحلالِ مخافةَ
الحرامَ.
وقال الثوريُّ: إنَّما سُمُّوا متقينَ، لأنهم اتقوْا ما لا يُتَّقَى.
وقال موسى بنُ أعْينَ: المتقونَ تنزَّهوا عن أشياءَ من الحلالِ مخافةَ أن يقعُوا