تقريرُه أيضًا.
الثالث: الجهادُ في سبيلِ اللَّه، وهو مجاهدةُ أعدائِهِ باليدِ واللسانِ، وذلك
أيضًا من تمامِ معاداةِ أعداءِ اللَّه الذي تستلزمُه المحبةُ، وأيضًا فالجهادُ في سبيلِ
اللَّه فيه دعاءُ الخلقِ إلى اللَّهِ وردُّهم إلى بابِه بالقهرِ لهم والغلبة، كما قال
تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
قال مجاهدٌ وغيرُهُ: يعني كنتُم خيرَ الناسِ للناسِ، فخيرُ الناس للناسِ
أنفعُهُم لهم، ولا نفعَ أعظمُ من الدعاءِ إلى التوحيد والطاعةِ والنهي عن
الشركِ والمعصيةِ، وسُئلَ الحسنُ البصريُّ عن رجلٍ له أمٌّ فاجرةٌ فقال: "يقيَدُها فما وصلَها بشيء أعظم من أن يكفَّها عن معاصي اللَّهِ تعالى".
قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: سمعتُ رجلينِ من الزُّهادِ يقول أحدُهها للآخرِ:
"يا أخي، ما ورثَ أهلَ المحبةِ محبّتهُم؟ "
قال: فأجابه الآخرُ: "ورِثُوا النظرَ بنورِ اللَّهِ والعطفَ على أهلِ معاصِي اللَّهِ " قال: فقلتُ له: "كيفَ يعطفُ على قويم قد خالَفوا أمرَ محبوبِهِم؟ "
فقال: "مقتَ أعمالَهم وعطَفَ عليهم ليزيلَهم بالمواعظِ عن فِعالِهِم وأشْفقَ على أبدانِهِم من النارِ، لا يكونُ المؤمنُ مؤمنًا حقًّا حتى يَرضى للناسِ ما يرضاهُ لنفْسِهِ ".
الرابع: أنهم لا يخافون لومةَ لائم، والمرادُ أنهم يجتهدونَ فيما يرضى به من
الأعمالِ ولا يبالونَ بلومةِ من لامَهُم في شيءٍ منه إذا كان فيه رِضا ربِّهم.
وهذا من علاماتِ المحبةِ الصادقةِ، إنَّ المحبَّ يشتغلُ بما يرضى به حبيبُه
ومولاه، ويستوِي عنده مَنْ حَمَدهُ في ذلكَ أو لامَهُ، وفي هذا المعنى يقولُ
بعضُهم: