إحداهُما: فرضٌ، وهي ما اقتضى طاعتَه في امتثالِ ما أمرَ به من الواجباتِ.
والانتهاءِ عمَّا نهى عنه من المحرَّماتِ، وتصديقِهِ فيما أخبرَ به من المخبراتِ.
والرضا بذلك، وأن لا يجدَ في نفسِهِ حرجًا مما جاءَ بهِ، ويسلِّمَ له تسليمًا.
وأن لا يتلقَّى الهُدى من غيرِ مشكاتِهِ، ولا يطلبُ شيئا من الخيرِ إلا ما جاء
الدرجة الثانية: فضل مندوب إليه، وهي ما ارتقى بعدَ ذلكَ إلى اتَباع سنتِهِ
وآدابِهِ وأخْلاقِهِ، والاقتداءِ به في هديه وسمتِهِ، وحسنِ معاشرتِهِ لأهلِهِ
وإخوانِهِ، وفي التخلقِ بأخلاقِهِ الظاهرةِ في الزهد في الدنيا، والرغبةِ في
الآخرةِ، وفي جُودِهِ وإيثاره وصفْحِهِ وحِلْمِهِ واحتمالِهِ وتواضعهِ.
وفي أخلاقِهِ الباطنةِ، من كمالِ خشيتِهِ للَّهِ، ومحبتِهِ له، وشوقِهِ إلى لقائهِ.
ورضاه بقضائِهِ، وتعلقِ قلبه به دائمًا، وصدقِ الالتجاءِ إليه، والتوكلِ
والاعتمادِ عليه، وقطع تعلُّقِ القلبِ بالأسبابِ كلِّها، ودوامِ لَهَج القلبِ
واللسانِ بذكره، والأنس به، والتنعم بالخَلْوةِ بمُناجاتِهِ ودعائِهِ، وتلاوةِ كتابِهِ
بالتدبرِ والتفكرِ.
وفي الجملةِ، فكان خلقه - صلى الله عليه وسلم - القرآنُ، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، فأكملُ الخلقِ من حقَّقَ متابعتَهُ وتصديقَه قولاً وعملاً وحالاً، وهم الصدِّيقونَ من أُمَّتِهِ، الذين رَأسُهم أبو بكرٍ خليفتُهُ من بعدِهِ.