وروى أبو داود في "المراسيلِ " بإسنادِهِ عن الزهريِّ، قالَ: أخبرني سعيدُ
ابنُ المسيَّبِ، أنَّ أبا سفيانَ كان يدْخُلُ المسجدَ بالمدينةِ وهو كافر، غيرَ أنَّ ذلك لا يصلُحُ في المسجدِ الحرامِ، لما قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
وقد اختلفَ أهلُ العلم في ذلكَ:
فرَخَّصَ طائفةٌ منهم في دخولِ الكافرِ المسجد، وهو قولُ أبي حنيفةَ
والشافعيِّ، وحُكيَ روايةً عن أحمدَ، رجَّحها طائفة من أصحابِنا.
قال أصحابُ الشافعيِّ: وليسَ له أن يدخلَ المسجدَ إلا بإذنِ المسلمِ ووافقَهُم
طائفة من أصحابِنا على ذلكَ.
وقال بعضُهم: لا يجوزُ للمسلم أن يأذنَ فيه إلا لمصلحةٍ من سماع قرآنٍ.
أو رجاء إسلامٍ، أو إصلاح شيءٍ ونحوِ ذلك، فأمَّا لمجردِ الأكلِ واللُّبْثِ
والاستراحةِ فلا.
ومن أصحابِنا: من أطلقَ الجوازَ، ولم يقيدْهُ بإذنِ المسلم.
وهذا كلُّه في مساجدِ الحلِّ، فأمَّا المسجدُ الحرامُ فلا يجوزُ للمسلمينَ الإذنَ
في دخولِهِ للكافرِ، بل لا يمكَّنُ الكافرُ من دخولِ الحرمِ بالكليَّة عند الشافعيِّ
وأحمدَ وأصحابِهِما.
واستدلُّوا بقولِ اللَّه تعالى:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ، وكانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ منادِيًا يُنادِي:"لا يحُجُ بعْدَ العام مُشْرِك".