للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمسَ والقمر يسبحان في الفلك، فينشأ منهما ظلمةُ اللَّيلِ وبياضُ النهارِ.

فمن حينئذٍ جعلَ السَّنة اثنى عشر شهراً بحسبِ الهلالِ.

فالسنةُ في الشرع مُقدَّرةٌ بسيرِ القمرِ وطلوعِهِ، لا بسيرِ الشمسِ وانتقالها.

كما يفعلُه أهلُ الكتابِ.

وجعلَ اللَّهُ تعالى من هذهِ الأشهرِ أربعةَ أشهرٍ حُرُمًا، وقد فسَّرَها النبيُّ

- صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، وذكرَ أنَّها ثلاثة متوالياتٌ، ذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمُحرَّمُ، وواحد فرد، وهو شهرُ رجبٍ.

وهذا قد يستدلُّ به من يقولُ: إنها من سنتين، وقد رُوي من حديثِ ابنِ

عمرَ مرفوعًا: "أولُهُن رجبٌ "، وفي إسنادِهِ موسى بن عُبيدةَ، وفيه ضعفٌ

شديد من قِبلِ حفْظِهِ، وقد حكيَ عن أهلِ المدينةِ أنهم جعلوها من سنتين.

وأن أوَّلها ذو القعدةِ، ثم ذو الحجَّةِ، ثم المحرَّمُ، ثم رجب، فيكونُ رجب

آخرَها.

وعن بعضِ المدنيينَ أنَّ أوَّلها رجب، ثم ذو القعدةِ، ثم ذو الحجَّةِ ثم

المُحرَّمُ.

وعن بعضِ أهلِ الكوفةِ أنها من سنةٍ واحدة، أولها المحرَّمُ، ثم

رجبٌ، ثم ذو القعدة، ثم ذو الحِجَّةِ.

واختُلِفَ في أيِّ هذه الأشهر الحرُم أفضلُ، فقيل: رجب، قاله بعض الشافعيةِ، وضعَّفَه النوويُّ وغيره.

وقيل: المُحَرَّمُ، قاله الحسنُ، ورجَّحَه النوويُّ.

وقيل: ذو الحِجَّة، رُوي عن سعيدِ بنِ جبيرٍ وغيره، وهو أظهرُ، واللَّهُ أعلمُ.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الزَّمان استدَارَ كهيئِتِه يوم خلقَ اللَّه السمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عشرَ شهرًا"

مُرادُهُ بذلك إبطالُ ما كانتِ الجاهليةُ تفعلُه من النَّسيء، كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>