به رأسًا.
والمقصودُ هاهنا أن اللَّهَ تعالى حفظَ هذه الشريعةَ بما جعلَ لها من الحملةِ.
أهلِ الدرايةِ، وأهلِ الروايةِ، فكان الطالبُ للعلم والإيمانِ يتلقَّى ذلكَ ممن
يدركُهُ من شيوخ العلمِ والإيمانِ، فيتعلَّمُ الضابطُ القرآنَ والحديثَ، ممن يعلِّمُ
ذلكَ، ويتعلَّمُ الفقهَ في الدِّينِ من شرائع الإسلامِ الظاهرةِ، وحقائقِ الإيمانِ
الباطنةِ، ممن يعلِّمُ ذلكَ.
وكان الأغلبُ على القرونِ الثلاثةِ المفضلةِ جمعُ ذلكَ كلَّه، فإنَّ الصحابةَ
تلقَّوا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - جميعَ ذلكَ، وتلقاهُ عنهم التابعونَ، وتلقَّى عن التابعينَ تابعوهُم، فكانَ الدِّينُ حينئذٍ مجتمعًا، ولم يكنْ قد ظهرَ الفرق بين مسمَّى الفقهاءِ، وأهلِ الحديثِ ولا بين علماءِ الأصولِ والفروع، ولا بينَ الصوفيِّ والفقيرِ والزاهدِ، وإنما انتشرتْ هذه الفروقُ بعد القرون الثلاثةِ.
وإنَّما كانَ السلفُ يسمُّون أهلَ العلم والدِّينِ: القُرَّاءَ، ويقولونَ: يقرأُ
الرجلُ إذا تنسَّك، وكانَ العالمُ منهُم يتكلمُ في جنسِ المسائلِ المأخوذةِ من
الكتابِ والسنةِ، سواء كانتْ من المسائِلِ الخبريَّةِ العلميةِ، كمسائلِ التوحيد، والأسماءِ والصفاتِ، والقدرِ، والعرشِ، والكرسيِّ، والملائكةِ، والجنًّ.
وقصص الأنبياءِ، ومسائلِ الأسماءِ، والأحكامِ، والوعدِ والوعيدِ، وأحوالِ
البرزخ، وصفةِ البعثِ والمعادِ، والجنَّةِ، والنَّارِ، ونحوِ ذلكَ.
أو من أعمالِ الجوارح، كالطهارةِ، والصلاةِ، والصيامِ، والزكاةِ، والحجِّ.
والجهادِ، وأحكامِ المعاوضاتِ، والمناكحاتِ، والحدودِ، والأقضيةِ، والشهادةِ، ونحوِ ذلك.