وأمَّا العارفون باللَّهِ، المحبُّونَ له، المنقطعونَ إليه في الدنيا، والمستأنسونَ به
دونَ خلقِهِ: فإنَّ اللَّهَ بكرمِهِ وفضلِهِ لا يخذُلُهم في قبورِهِم، بل يتولاَّهم.
ويؤنسُ وحشتَهُم فـ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨) .
وقد جاء في بعضِ ألفاظِ حديثِ يومِ المزيدِ: أنهم يقولونَ لربِّهم في ذلك
اليومِ: أنت الذي أنستَ منا الوحشةَ في القبورِ.
وكتبَ محمدُ بنُ يوسفَ الأصبهانيُّ العابدُ إلى أخيه: إنّي محذِّرُكَ
متحوَّلَك من دارِ مُهلتِكَ إلى دارِ إقامتِك وجزاءَ أعمالِك، فتصيرُ في قرارِ
باطنِ الأرضِ بعدَ ظاهرِها، فيأتيكَ منكرٌ ونكير، فيقعدانِكَ وينتهرانِكَ، فإن
يكنِ اللَّهُ معك فلا بأسَ عليكَ، ولا وحشةَ ولا فاقةَ، وإن يكنْ غيرُ ذلكَ
فأعاذني اللَّهُ وإيَّاك من سوءِ مصرع، وضيقِ مضجع.
ورُئِيَ ابنُ أبي عاصمٍ المنامِ فسُئِل عن حالِه فقالَ: يؤنسني ربِّي عزَّ
وجلَ.
وأمَّا من كانَ في الدنيا مشغولٌ عن اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - وكان يخافُ غيرَهُ.
فإنه يُعذبُ في قبرِهِ بذلكَ.
قالَ أحمدُ بنُ أبي الحواريِّ: حدثنا إبراهيمُ بنُ الفضلِ، عن أبي المليح
الرقي، قالَ: إذا دخلَ ابنُ آدمَ قبرَهُ لم يبقَ شيء كان يخافُه في الدنيا من دون
اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - إلا تمثَّل له يفزِّعه في قبرِهِ، لأنه في الدنيا كان يخافُه دون
اللَّهِ تعالى.
وروى عبدُ الرحمنِ بنُ زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن ابنِ عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:
"ليسَ على أهلِ لا إله إلا اللَهُ وحشةً في قبورِهِم، ولا يومَ نشورِهِم،