النطفةِ، قالَ: فتُخلقُ، فتعيشُ في أجلِها، وتأكلُ رزقَها، وتطأُ في أثَرِها.
حتى إذا جاء أجلُها ماتتْ، فدُفنتْ في ذلكَ، ثم تلا الشعبيُّ: (يَا أَيُّهَا الناسُ
إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) إلى قولهِ: (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) ، فإذا
بلغتْ مضغةً نُكِسَتْ في الخَلْقِ الرابع، فكانتْ نسمةً، فإنْ كانتْ غيرَ مخلقةٍ
قذفَتْها الأرحامُ دمًا، وإن كانتْ مخلقةً نكِسَتْ نسمةً.
خرَّجه ابنُ أبي حاتمٍ وغيرُه، وآخرُهُ هو من قولِ الشعبيِّ.
وقد يستأنسُ بهذا من يقولُ: إنَّ الحاملَ لا تحيضُ ولا ترى دمَ الحيضِ في
حالِ حَمْلِها، وأنَها لا ترَى إلا دمَ النِّفاسِ خاصةً، وفي ذلكَ نظرٌ.
وقد قيلَ: إن هذا هو مرادُ البخاريِّ بتبويبِهِ هذا.
وقد رُويَ عن الحسنِ في قولِ اللَّهِ عزَّ وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسانَ مِن نُّطْفَةٍ
أَمْشَاجِ) ، أنَّ النطفةَ مُشجتْ - أي: خُلِطَتْ بدمِ الحيضِ -، فإذا
حَمَلتِ المرأةُ ارتفعَ حيضُها.
وحديثُ أنسٍ الذي خرَّجه البخاريُّ يدلُّ على أنَّه لا يُخلقُ إلا بعدَ أن
يكونَ مضغةً، وليسَ فيه ذِكْرُ مدةِ ذلكَ.
وذكرُ المدةِ في حديث ابنِ مسعودٍ -
وقد خرَّجه البخاريُّ في مواضعَ أُخَرَ - قالَ: حدثنا رسولُ اللًّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادقُ المصدوقُ -:
"إنَّ خلقَ أحدِكُم يُجْمَع في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثلَ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك، ثم يُبعثُ إليه الملكُ، فيُؤمَرُ بأربع
كلماتٍ: بكتْبِ رزِقه، وأجَلِهِ، وعمَلِهِ، وشقيٌّ أو سعيدٌ، ثم يُنفخُ فيه الرُّوح " -
وذكر الحديثَ.
وقد رُويَ هذا المعنى عن ابن مسعودٍ موقوفًا عليه، وعن ابنِ عباسٍ،