فإنما ضرب لكَ الأمثالَ لتتفكرَ فيها وتعتبرَ بِها وتزدجرَ عن معاصِي اللهِ عز
وجل، وأنتَ يا ابنَ آدمَ أحقُّ أن تخشعَ لذكرِ اللَّهِ وما حَمَّلكَ من كتابِهِ وآتاكَ من حكمِهِ، لأنَّ عليكَ الحسابَ ولكَ الجنةُ أو النارُ.
وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يستعيذُ باللَّهِ من قلبٍ لا يخشعُ، كما في "صحيح مسلم " عن زيدِ بنِ أرقمَ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ:
"اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومن دعوة لا يُستجابُ لَها".
وقد رُويَ نحوُه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ متعددةٍ
ويُروى عن كعبٍ الأحبار قالَ: مكتوبٌ في الإنجيلٍ:
"يا عيسى، قلبٌ لا يخشعُ عملُه لا ينفعُ، وصوتُه لا يُسمعُ، ودعاؤُه لا يُرفعُ ".
قال أسدُ بنُ موسى في كتابِ "الورع ": حدثنا مُباركُ بنُ فَضالةَ قالَ: كان
الحسنُ - رحمه اللَّه تعالى - يقولُ: إن المؤمنينَ لَمَّا جاءتْهُم هذه الدعوةُ من
اللَّه صدَّقوا بها وأفْضَى يقينُها إلى قلوبِهِم خشعتْ لذلكَ قلوبُهم وأبدانُهم
وأبصارُهم، كنتَ واللَّهِ إذا رأيتَهم رأيتَ قومًا كأنَّهم رَأيُ عينٍ، فواللهِ؛ ما
كانُوا بأهلِ جدلٍ ولا باطلٍ، ولا اطمأنُّوا إلا إلى كتابِ اللَّه، ولا أظهُروا ما
ليسَ في قلوبِهم، ولكنْ جاءَهُم عن اللَّهِ أمرٌ فصدَّقوا به، فَنَعَتهُم اللَّهُ تعالى
في القرآنِ أحسنَ نعتٍ فقال:
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) .
قال الحسنُ: الهونُ في كلامِ العربِ، اللينُ والسكينةُ والوقارُ.
قال: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) .
قال: حلماءُ لا يجهلونُ، وإذا جُهلَ عليهِم حَلموا، يُصاحبونَ عبادَ الله