ومثلُه: قولُه تعالى: (
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) .
قال أبيُّ بنُ كعبٍ وغيرُه من السلفِ: مَثَلُ نورِه في قلبِ المؤمنِ.
فمن وصلَ إلى هذا المقامِ فقد وصلَ إلى نهايةِ الإحسانِ، وصارَ الإيمانُ
لقلبهِ بمنزلةِ العيانِ، فعرفَ ربَّه، وأنسَ به في خلوتهِ، وتنعَّمَ بذكره ومناجاتهِ
ودعائه، حتَّى ربَّما استوحشَ من خلقهِ.
كما قالَ بعضُهم: عجبتُ للخليقة، كيفَ أنستْ بسواكَ؟!
بل عجبتُ للخليقةِ كيف استنارت قلوبُها بذكرِ سواك؟!.
وقيلَ لآخرَ: أما تستوحشُ؟
قال: كيفَ أستوحشُ، وهو يقولُ: أنا جليسُ من ذكرني؟!.
وقيل لآخرَ: أما تستوحشُ وحدَك؟
قالَ: ويستوحشُ مع اللَّهِ أحدٌ؟!
وكان حبيب أبو محمدٍ يخلُو في بيتِهِ، ويقولُ: من لم تقرَّ عينُه بكَ فلا
قرَت عينُه، ومن لمْ يأنسْ بكَ فلا أنسَ.
وقال الفضيلُ: طوبَى لمن استوحشَ من الناسِ وكان اللَّه جليسَه. "
وقال معروفٌ لرجلٍ: توكلْ على اللَّهِ، حتَّى يكونَ جليسَك وأنيسَك
وموضعَ شكواكَ.