في طلبِ مرضاتِهِ من بردِ الماءِ وغير وربَّما لم يشعر بالماءِ بالكليةِ، كما قال
بعضُ العارفين: بالمعرفة هانتْ على العاملينَ العبادةُ قال سعيدُ بنُ عامرِ:
بلغَني أنَّ إبراهيمَ الخليلَ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا توضا سُمِعَ لعظامِهِ قعقعةٌ.
وكان علي بن الحسينُ إذا توضأ اصفرَّ، فيقال له: ما هذا الذي يعتريكَ
عندَ الوضوء؛ فيقولُ: أتدرونَ بين يدي منْ أريدُ أن أقومَ له؟.
وكان منصورُ بنُ زاذانَ إذا فرغَ من وضوئِهِ يبكي حتَى يرتفعَ صوتُهُ، فقيلَ
له: ما شأنُك؟
فقالَ: وأيُّ شيءِ أعظم من شأني إني أريد أن أقومَ بين يدي
من لا تأخذُهُ سنةٌ ولا نومٌ، فلعله يرضى عني.
وكان عطاءٌ السلميُّ إذا فرغَ من وضوئِه ارتعد وانتفضَ وبكى بكاءً شديدًا.
فقيلَ له في ذلك، فقال: إني أريدُ أن أتقدًّمَ إلى أمرٍ عظيمٍ، إني أريدُ أن أقومَ
بين يدي اللَّهِ عزَّ وجل.
الرابع: استحضارُ اطلاع اللَّهِ عزَّ وجلَّ على عبده في حالِ العملِ له.
وتحملُ المشاقِ لأجلِهِ فمن تيقنَ أن البلاءَ بعينِ من يحبُّه هانَ عليه الألمُ كما
أشارَ تعالى إلى ذلك بقولِهِ عزَّ وجلَّ لنبيَّه - صلى الله عليه وسلم -:
(وَاصْبِرْ لِحُكْم رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) .
وقولُهُ تعالى لموسى وهارونَ عليهما السلامُ:
(لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسمعُ وَأَرَى) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
"اعبد الله كأنك تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراك "
قال أبو سليمانَ: قرأتُ في بعضِ الكتبِ، يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:
بعيني ما تحمَّلَ المتحملونَ من أجلي، وكابدَ المكابدونَ في طلبِ مرضَاتِي، فكيفَ بهم وقد صارُوا في جوارِي وتبحبَحُوا في رياضِ خلدِي؛ فهنالك فليستبشرِ المصفونَ للَّه أعمالهم بالمنظرِ العجيب من الحبيبِ القريبِ، أترونَ أنَي أضيعُ لهم عملاً؟ فكيف وأنا أجود على الموَلِّين عئي فكيفَ بالمقبلينَ إليَّ.