"سنن أبي داودَ"، والترمذي عن بريدةَ عنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:
" بشِّر المشائينَ في الظل إلي المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ "
وخرَّجهُ ابنُ ماجة من حديثِ سهلِ بن سعدٍ، وقد رُوي من وجوه كثيره. وفي بعضهَا زيادةٌ "يفزعُ النَّاس ولا يفزعونَ "
قال النخعيُّ: وكانُوا يرونَ أنَّ المشيَ في الليلةِ الظلماء إلى الصلاة
موجبةٌ - يعني: توجبُ المغفرةَ.
وروينا عن الحسنِ قالَ: أهلُ التوحيدِ في النار لا يقيدونَ فيقولُ الخزنةُ
بعضُهم لبعضٍ: ما بالُ هؤلاءِ لا يُقيَّدون، وهؤلاءِ يُقيَّدون؟
فينادِيهم مُنادٍ: إنَّ هؤلاءِ كانوا يمشونَ في ظُلَم الليل إلى المساجدِ، كما أنَّ مواضعَ السجودِ من عصاةِ الموحدينَ في النارِ لا تأكلهَا النَّارُ، فكذلك الأقدامُ التي تمشي إلى المساجدِ في الظلم لا تقيدُ في النار.
ولا يسوِّي في العذابِ بينَ من خدمَهُ وبين من لم يخدِمه وإن عذَّبه.
ومن كانَ في سخطهِ محسنًا. . . فكيف يكونُ إذا ما رضِي
لمَّا كانتِ الصلاةُ صلةً بين العبدِ وبينَ ربَه، ومناجاةً تظهرُ فيها آثارُ تحلِّيهِ
لقلوبِ العارفينَ وقربِهِ شرعَ قبلَ الدخولِ فيها الطهارةُ، فإنَّه لا يصلحُ للوقوفِ بين يدي اللَّه عز وجل والخلوةِ بمناجاتِهِ إلا طاهرٌ، فأمَّا المتلوثُ بالأوساخ الظاهرةِ والباطنةِ فلا يصلحُ للقربِ، فشرعَ اللَّهُ عز وجل للمصلِّي غسلَ أعضائِهِ بالماءِ ورتبَ عليها طهارةً ظاهرةً وباطنةً، ثمَّ شرعَ المشي إلى المساجدِ.
وفيه أيضًا تكفيرُ الخطايا حتَّى تكملَ طهارةُ الذنوبِ إن بقي منها شيءٌ بعد
الوضوءِ حتَّى لا يقفَ العبدُ في مقامِ المناجاةِ إلا بعدَ كمالِ طهارةٍ ظاهرةٍ