للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يندبُ إلى إلانةِ القولِ فيه الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ وأنْ يكونَ

برفقٍ، كما قالَ تعالَى: (وَجَادِلْهُم بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ) .

قال بعضُ السلفِ: ما أغضبتَ أحدًا فَقَبِلَ مِنْكَ، وكانَ أصحابُ ابنِ

مسعودِ إذا رأوا قومًا على ما يكرهُ يقولونَ لهم: مهلاً مهلاً باركَ اللَهُ فيكم.

ورأى بعضُ التابعينَ رجلاً واقفًا مع امرأة فقالَ لهما: إن اللهَ يراكمُا سترنا اللهُ

وإيَّاكما، ودُعي الحسنُ إلى دعو فجيء بآنيةِ فضة فيها حلواءُ، قأخذَ الحسنُ

الحلواءَ فقلبهَا على رغيف وأكلَ منهَا، فقالَ بعضُ من حضرَ: هذا نهى في

سكون.

ورأى الفضيلُ رجلاً يعبثُ في صلاتِهِ فزبرهُ، فقالَ له الرجلُ: يا

هذا ينبغي لمنْ يقومُ للهِ أن يكونَ ذليلاً، فبكى الفضيلُ وقالَ له: صدقتَ.

قال شعيبُ بنُ حرب: ربما مرَّ سفيانُ الثوريُّ بقومٍ يلعبونَ بالشطرنج

فيقولُ: ما يصنعُ هؤلاءِ؟

فيقالُ له: يا عبد اللهِ ينظرونَ في كتاب، فيطاطئ

رأسَهُ ويمضي، وإنما يريدُ بذلكَ ليُعلمَ أنَّه قد أنكَرَ.

وقالَ سفيانُ: لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهى عن المنكرِ إلا من كانَ فيهِ خصالٌ

ثلاث: رفيقٌ بما يأمرُ، رفيق بما يَنهى، عدلٌ بما يأمرُ، عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما

يأمرُ، عالم بما يَنهَى.

وقالَ الإمامُ أحمدُ: الناسُ يحتاجونَ إلى مداراةٍ ورفقٍ في الأمر بالمعروفِ بلا غلظةٍ إلا رجلاً معلنًا بالفسقِ، فإنَهُ لا صبرَ عليه.

وكانَ كثير من السلفِ لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهى عن المنكرِ إلا سرًّا فيما

بينه وبينَ من يأمُرُه وينهاهُ. وقالَ أبو الدرداءِ: من وعظَ أخاهُ سرًّا فقد زانهُ

ومن وعظه علانية فقد شانهُ.

وكذلك مقابلةُ الأذى بإلانةِ القولِ كما قالَ تعالَى:

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيئَةَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>